يحل حزب "المؤتمر من أجل الجمهورية" نفسه اليوم ليلتحق مناضلوه بحزب "حراك تونس الإرادة", راضين, مرتاحي الضمير, عازمين على مواصلة المسيرة و هم الذين ما انفكوا منذ الثورة يرفعون شعار "مؤتمر مؤتمر و المسيرة تستمر" فاختاروا منذ اللحظة الأولى مسارا, اختاروا "حراكا" (بمعناه الحرفي) و لا قبوعا في بيت حزبي أشبه ب"سجن العقل" –حتى أستعير عنوان أحد مؤلفات مؤسس الحزب الدكتور محمد المنصف المرزوقي- دكانا خانقا يروجون فيه "ثوابت" إيديولوجية دغمائية مقصية للمختلف و لكل اعتبار للزمن و سيره الحتمي الذي لا يتوقف.....
لا يحل "المؤتمر من أجل الجمهورية" نفسه و هو في آخر ترتيب الأحزاب بل يحل نفسه بنفسه و هو حزب برلماني في رأس الكوكبة الثانية من الأحزاب (4 نواب) و في الرتبة الرابعة في سبر الآراء الأخير و مرشح لارتقاء أكيد ضامنه ثبات مناضليه على مبدإ استكمال أهداف الثورة و ضامنه أيضا (بالخلف) رداءة القائمين بأمر البلاد اليوم و هي رداءة ما بعدها رداءة, بل رداءة صادمة...................
فلماذا يختار -في لحظة يصاعد فيها حضوره- حل نفسه ؟؟؟؟
1- أدى المؤتمر وظيفته بالتبشير بالثورة و التحريض عليها و المشاركة فيها:
نشأ "حزب المؤتمر من أجل الجمهورية" سنة 2001 لأداء وظيفة أساسية من منطلق عقيدة مناضلة شاملة: أن النظام لا يصلح و لا يصلح و أن الحل ثورة سلمية و أن الثورة آتية لا ريب فيها و أن الثورة هذه وسيلتها العصيان المدني و أن البديل المؤتمرات المنعقدة و توجهها براغماتي الاتجاه خال من الايديولوجيا, تبحث عن الحلول أولا و أساسا في ظل مجموعة من الشروط محورها حقوق الإنسان......
.....و صدق التنبؤ و قامت الثورة بل عرفت السيناريو الذي دعا إليه المؤتمر من أجل الجمهورية و حرض عليه فكانت ثورة سلمية, كان العصيان المدني وسيلتها, فسقط النظام...........فاجأت الثورة التونسية العالم كله غير الدكتور المرزوقي و مجموعة أصفيائه الأولين.....إنها الحكمة التي يجنيها قارئ التاريخ الممتاز.....
2- أدى المؤتمر وظيفته في التأسيس:
في فترة التأسيس شارك "حزب المؤتمر من أجل الجمهورية" في الحكم من منطلق أن لا معنى للمعارضة في فترة تأسيسية بل كان حلمه أن يأتلف كل أطراف جبهة 18 أكتور من المناضلين ضد الدكتاتورية في الحكم و لم يتحقق الحلم من سوء حظ هذا الشعب.....و لم يثنه رفض بعض الرفاق الانضمام إلى الائتلاف الحاكم و اكتفى بالإقدام مع من أقدم و خاض "المعركة", معركة تحولت إلى معركة ضد "المنظومة" و قد سقط النظام و لم تسقط منظومته, بل وتحالف معها -كما لم يتوقعه المؤتمر (ولا غيره)- رفاق النضال ضد النظام قبل الثورة.....
كانت للمؤتمر من أجل الجمهورية في فترة التأسيس إنجازات و أي إنجازات, إنجازات تاريخية صدقها التاريخ اليوم بعد, رغم قرب المسافة الزمنية:
أعظم إنجاز له على الإطلاق –من وجهة نظري أنا المنخرطة و الناشطة في الحزب منذ انتخابات 2011- التجرؤ على"محظور سياسي" قبل الربيع العربي": التعامل مع الاسلاميين بل التحالف معهم, شاركه هذا الشرف "التأسيسي" من منظور سياسي حزب التكتل......
صلب الرفيقان غير الاسلاميين صلبا و نكل بهما تنكيلا لتحالفهما مع النهضة, نكل بهم رفاق الأمس من الاستئصاليين في أحزاب "صديقة" كما نكل بهم رفاق اليوم من داخل الحزبين و قد اكتشفوا فجأة هوى في أنفسهم للإسلاموفوبيا و الاستئصال و هو ليس هوى متأصلا لو كانوا يعلمون بقدر ما هو هوى صنعته لهم "قاصمات الظهور" من إعلام عار و رأي عام تحركه "الأيدي الخفية" التي نعلم (مع ما في التعبير من مفارقة) فلم يثبتوا في الامتحان ....انفجر الحزبان بذلك انفجارا دفعا ثمنه في الانتخابات التشريعية الأخيرة....
لكن في المؤتمر و التكتل –من حسن الحظ- من الظهور ما لا يقصمها قاصم فصمدت و حملت الصليب إلى نهاية الطريق بل أحبت تاج الشوك الذي حط على رأس صاحبها حبا جما......و نجحت التجربة فأمضىت الترويكا دستور الجمهورية التونسية الثانية......فإن قلنا للمؤتمرين: "أي ثمن دفعت يا مؤتمر...." أجاب "كل الأثمان تهون....." فلم يكتف المؤتمر برفع شعار "الوطن قبل الحزب" بل مارس مبدأه راض غير متردد.....و لا متحرج من "تهم" المثالية و النزعة الرومنطيقية في موقفه فالرومنطيقيون آباء الثورات الأصيلون و الرومنطيقية مدرسة الثورة بلا منازع.....
ثم جاء تتويج العقل المؤتمري و جزاء المغامرة المؤلمة اللذيذ, فصدقت فترة ما بعد الانتخبات الأخيرة مذهب المؤتمر و التكتل و لم يقدر الحزب الحاكم الاستغناء عن الاسلاميين و إن أقام صرحه الحجاجي على إقصائهم فشركهم في الحكم و تهاوى صرحه بذلك و بأسباب أخرى ملخصها فراغ جرابه إلا من الاستئصال فإذا به سراب خلب و أصبح ما صور "جريمة" المؤتمر و التكتل أمرا "جائزا" بل فطن الجميع إلى كونه في حقيقته أمر بديهي......
كسر الجليد بين الإسلاميين و غيرهم إنجاز المؤتمر و التكتل و النهضة دون منازع و تجربة شجاعة رسمت الخط الأول لملامح ما يسمى "التجربة التونسية".
إن "مبدأ التوافق" و هو عصب الحياة السياسية اليوم, يصرف شؤونها جميعا مبدأ صنعته الترويكا و مارسته في أشرف صورة له.....قبل أن يتحول في أيد أخرى و قد "ترجم" ترجمة ماكرة خير وسيلة للانقلاب على إرادة الشعب....فهب لها العالم مهللا مجازيا ولا هو مكبر مبدأ التوافق في ممارستها له بقدر ما هو مكبر لفعل تحريفه....
3- أدى"حزب المؤتمر من أجل الجمهورية" وظيفته في الحكم:
شارك "المؤتمر من أجل الجمهورية" في الحكومة. حكومة نعرف اليوم أنها ناجحة إلى أبعد حدود النجاح و يكفي أن نذكر 3,6 نسبة نمو في ظروف عاصفة و يكفي أيضا ذكر محافظتها رغم الأهوال على السلم الأهلي............إنها معجزة....
رشح المؤتمر من أجل الجمهورية شخصيات لتقلد مناصب وزارية فاختار كفاءات و طنية أكيدة, لكفاءتها أكثر من وجه:
--- توفرت في مرشحي المؤتمر كفاءة نضالية سابقة للثورة و ثلاثتهم ممن واجه نظام بن علي أعزل و دفع الأثمان الباهضة تنكيلا و تشويها و ظلما و نفيا......
--- و توفرت فيهم كفاءة علمية مشهود لها (سليم بن حميدان دكتور في العلوم القانونية من جامعة باريسية / عبد الوهاب معطر دكتور دولة في العلوم القانونية و متخرج من مدرسة عليا للإدارة و هذه المدارس في العالم جميعا نبع رجال الدولة و منابتهم / سهام بادي دكتورة في الطب مختصة في طب الاطفال و محرزة مع هذا على إجازة في علوم التربية فهل أكفأ منها في تقلد وزارة المرأة و شؤون الأسرة ؟ )
الدكتور معطر: 140000 موطن شغل و دراسة أشبه بأطروحة تبحث في معضلة التشغيل في تونس..إلخ…
الدكتور بن حميدان: 80000هكتار من الأراضي تعود إلى الدولة دون ذكر بقية ما تمت مصادرته...إلخ.....
الدكتورة سهام بادي: خرقت كليشيهات و ترهات نساء تفصلن بين حرية المواطنة (بكسر الطاء) و حرية المواطنة (بفتح الطاء) و فكت الحصار عن المحجبات و المنقبات و صدعت بخطاب متصالح مع الهوية دون السقوط في التحجر.....أسست الدكتورة لعقلية ديمقراطية تحترم حقوق الانسان مطلقا و حقوق المواطنة كاملة و أدرجت ضمنها حقوق المرأة إدراج الجزء من الكل فمثلت بذلك منعرجا في تناول "قضية المرأة"....دون الحديث عن القوانين التي يصادق عليها هذه الأيام في صالح المرأة و الأسرة و قد نشأت فكرتها عهد سهام بادي.
برهن وزراء المؤتمر من أجل الجمهورية أننا حزب قادر على الحكم و ناجح في الحكم . مارس وزراء المؤتمر الحكم تحت القصف...............و عادوا رغم ذلك إلى قواعدهم سالمي الشرف.
من وجهة النظر هذه أدى المؤتمر وظيفته بتثوير ممارسة الحكم و أداته إرساء حكم صالح وطني و نظيف يقطع مع أسباب الفساد.
4- تبليغ الأمانة: "أنجزت المهمة".
هو حزب قاوم / و أسس / و حقق / ثم قيم تجربته فذكر خصالا له ثبتها و عيوبا أدت به إلى ارتكاب أخطاء اعترف بها بل و اعتذر عنها......... اكتملت بذلك دورة أولى.
---هل يمكن أن نتحدث اليوم عن "إسقاط النظام" لأنه لا يصلح و لا يصلح ؟؟؟؟
الجواب: لا, لأن هذا النظام الفاسد اليوم لا يصلح (بضم اللام) و لكنه يصلح (بفتح اللام) و السبيل إلى الإصلاح هو النضال من أجل تطبيق الدستور و احترام المؤسسات أي تثبيت مكاسب الثورة. نعرف اليوم أن عدونا ليس هو في قرطاج و لا هو في القصبة بل في "قاعة عمليات" تعطل اشتغال آلة الديمقراطية و نحن في "حزب ما" سنناضل من أجل أن تشتغل الآلة رغما عن كل أعداء الداخل و الخارج.
---هل يمكن اليوم أن ندعو إلى قتل الإيديولوجيا و استبدالها ببراغماتية تستقي الحلول من ديمقراطية تشاركية قائمة على التوافق كما دعا إلى ذلك المؤتمر منذ فترة ما قبل الثورة ؟
الجواب: لا, لأن الجميع مقتنع و قد انتهوا إلى التسليم بما آمن به المؤتمر من أجل الجمهورية منذ لحظة النشأة في مجلس يضم بضعة مؤسسين. بل ليس أكفر من التونسي اليوم بالإيديولوجيا.....
اليوم "المؤتمر من أجل الجمهورية" بلغ الأمانة و شهدنا على ذلك و آن أوان أن يتحول إلى مرحلة موالية أدعوها : مرحلة تثبيت المكتسبات و تثبيتها يكون بالعمل على محور المواطنة: تفسير معناها و الدعوة إلى ممارستها و الدفاع عنها و تطويرها و لما لا "اختراع" معنى تونسي لها.........صنف جديد من "المقاومة" أعني مقاومة الارتداد و التجذيف ضد تيار السقوط ........
لكل هذا اختار المؤتمر من أجل الجمهورية التطور بقرار مجلسه الوطني الانتقال إلى مرحلة موالية مناسبة للفترة التاريخية التي تعيشها البلاد اليوم فيكون مرآة لطموحات جديدة ترسم أفق انتظار جديد, فإذا تمسك مناضلوه بالمضامين القديمة قضوا على أنفسهم فعلا و تحولوا إلى "فلكلور ثوري" أجوف يفتعل الثورة و هي أمر تحقق تحقق تحقق……………
أما السيناريو الذي اختاره المؤتمر من أجل الجمهورية لاحتواء تطوره فهو الانفتاح على قوى وطنية أخرى يلتقي معها في نضالاته الآتية و قد اتفق معها في الرؤية و الطموح, يجتمع مع هذه القوى في الحزب الذي أسسه الدكتور محمد المنصف المرزوقي "حراك تونس الإرادة" حزب سياسي هو جزء من حراك أشمل يجمع النشاط السياسي بأنشطة أخرى مختلفة تسعى جميعها إلى المشاركة في بناء الجمهورية الثانية بالتركيز على بناء الفكر "المواطني" التونسي قبل كل شيء و هو أساس البناء الذي لا يصلح بناء دونه…..بناء الإنسان و هي "رؤية-ثورة" في حد ذاتها, إذ تثور الفعل السياسي تثويرا و تعيد تعريفه من جديد, فتبشر بقيام "حراك شعب المواطنين" مدرسة فكرية شاملة تفرز طبقة من الفاعلين السياسيين و غير السياسيين الشباب يرثون الثورة و يواصلون المسيرة…..
مؤتمر حراك إرادة…..و المسيرة تستمر……………..