وأخيرا تشكلت حكومة السيدة نجلاء بودن بعد إنتظار طويل دام أكثر من شهرين لتنطق رئيسة الحكومة المكلفة أسماء أعضائها بلهجة متعثرة في دلالة على عدم معرفتها لبعض الأسماء مما يوحي بأنها تلقت قائمة من الأسماء وطلب منها على ما يبدو تلاوتها أمام عدسات الكاميرا، وهذا أمر غير مفاجيء باعتبار أن الكل يعلم أن خيوط تحريك هذه الحكومة تتحرك من قصر قرطاج ، يعني الرئيس هو المتحكم فعليا في الحكومة وليست السيدة نجلاء بودن طبقا للمراسيم والأوامرالتي أصدرها رئيس الجمهورية وخاصة 117 حيث أعطى لنفسه حق تعيين أعضاء الحكومة وعزلهم متى شاء وبالتالي تصبح رئيسة الحكومة مجرد سكريتيرا في قصر القصبة،
وقد أدت الحكومة اليمين أمام رئيس الجمهورية في تجاوز صارع للدستور حيث ينص الأخير على ضرورة آداء اليمين لأي حكومة أمام مجلس نواب الشعب لنيل الثقة والحال أن المجلس معلقة أعماله والنواب مجمدون بفعل أوامر رئيس الجمهورية التي أصدرها يوم 25 جويلية الفائت بالاعتماد على الفصل 80 من الدستور دون احترام له وبالتالي فان عدم مرور الحكومة بالمجلس – تحت تعلة الوضع الاستثنائي - يجعلها دستوريا فاقدة للشرعية وقراراتها غير ملزمة طالما أنها لم تستجب للفصل 80 الذي ينص على ما يلي " ...
ويعتبر مجلس نواب الشعب في حالة انعقاد دائم طيلة هذه الفترة ( يقصد الفترة الاستثنائية )، وفي هذه الحالة لا يجوز لرئيس الجمهورية حل مجل نواب الشعب كما لا يجوز تقديم لائحة لوم ضد الحكومة". إذن حكومة بودن طبقا لما ذكرنا تظل غير قانونية لأن الأصل في الفصل الذي اعتمده رئيس الجمهورية تبقى حكومة المشيشي قائمة، وفي صورة القبول باقالة هذه الحكومة – وهو تجاوز للدستور فان الحكومة الجديدة – أي حكومة بودن- يجب عليها المرور بمجلس نواب الشعب طالما أنه لم يُحل ولم نذهب بالتالي الى انتخابات تشريعية سابقة لأوانها – رغم أنني شخصيا ضد الذهاب الى النتخابات تشريعية بالقانون الانتخابي الحالي ، فيجب أولا تنقيح القانون الانتخابي ليصبح الاقتراع على الأفراد لا على القائمات وإلغاء شرط أفضل البقايا وتحديد مستوى دراسي معين حتى نقطع الطريق أمام وصول المتطفلين الى المجلس وحتى نضمن تركيبة نخبوية قادرة على إدارة المرحلة باقتدار.
ملاحظة أخرى تهم حكومة السيدة بودن هو هذا الوجود المكثف للمرأة باعتبار أن نسبة حضور المرأة بلغت 40 % من مجموع الأعضاء وهو أمر محمود باعتبار أن مشاركة المرأة في الشأن السياسي يدل على وعي الشعوب ورقيها وخروجها من بوتقة المجتمعات الذكورية، ولكن أتمنى أن لا يكون ذلك فقط من أجل المزايدة على المرأة دون توفر شرط الكفاءة فالنسبة مبالغ فيها،
فالمرأة ليست بضاعة للتسويق أو لتمرير أجندات معينة أو لتبرير أفعال معينة. و الأهم من هذا كله هل ستكون الحكومة مستقلة في عملها وفي تسيير شؤون الدولة أم أنها ستبقى أسيرة لإملاءات الرئيس طالما أنه أعطى لنفسه حق تعيين الوزراء واقالتهم بما في ذلك رئيس الحكومة، فيبدو أن الأمور ستبقى تدار من قرطاج وأما القصبة فستظل مجرد ديكور لأن فتحها كان تحت ضغط داخلي وخارجي.