تمر البلاد بفترة صمت رهيبة من المناهضين للإنقلاب منذ 25 جويلية. هذه الفترة هي الثانية من نوعها. لئن تمثلت الفترة الأولى، و التي أتت مباشرة بعد الإنقلاب، في فترة انتظار لخارطة الطريق و ترقب للخطوات القادمة للرئيس دون فائدة تذكر. لم يتجاوب الرئيس مع تلك الإنتظارات و تجاهلها معتبرا أن الشعب قال كلمته يوم 25 جويلية فلا مجال للعودة إلى الوراء و قد انتهت هاته الفترة بدعوة الجميع إلى الرجوع إلى كتب الجغرافيا للبحث عن الخرائط.
يئس الجمع المناهض للإنقلاب من الرئيس و من خطاباته الجوفاء و أمام عدم وجود آذان صاغية و بعد أن أوصدت المنابر الإعلامية أمام المعارضين و حتى إن حضر أحدهم لم يكن فقط في مواجهة الرأي المخالف له و المساند لقرارات الرئيس، بل كان عليه أن يواجه المنشط و المحللين في نفس الوقت.
أمام هذا الوضع المقيت نزل المعارضون إلى الشارع و دافعوا عن الديمقراطية و الدستور و الحرية والرافضة للإستبداد و رفعوا شعارات و رددوا هتافات داعية إلى القيم المشتركة لمجتمع واعٍ و ذا مبادئ و قيم كونية و أخلاقية في خدمة المواطنين و الإنسانية بصفة عامة. كانت تلك الصرخة بمثابت الروح التي نفثت من جديد في مواطنين مُّزقت أرواحهم نتيجة الصمت المؤسساتي و الحزبي و الجمعياتي الذي طغى إبّان 25 جويلية الفارط.
استفاقةٌ قُوبلت بكل العبارات النابية من طرف قائد الإنقلاب بنفسه و اعتبرهم مأجورين، مخمورين، حشرات و لم يستحي من كلام رب العالمين الذي قال "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا" فنعتهم بالشياطين وهم الذين يقولون له لقد اخترناك وأعطيناك صوتنا من أجل المحافظة على مكتسبات الثورة.
انتهت فترة الصمت الأولى بعد أن كشفت لنا عورات جديدة للإنقلاب و خاصة فضاعة الانحطاط الأخلاقي للقائمين عليه.
أمّا اليوم فنشعر و كأننا في فترة صمت جديدة. صمت رهيب يبعث عن القلق و الحيرة لست أدري إن كان له علاقه بتشكيل الحكومة الصورية التي يمسك بكل مقاليدها قيس سعيد أم هل هو ناتج عن شعور بالإطمئنان بعد قرارات الكنقرس الأمريكي و لاحقا الإتحاد الأوروبي الداعية إلى عودة مؤسسات الدولة و خاصة البرلمان. أم هل يكون ذلك نتيجة تغير بعض مواقف المساندين للإنقلاب على الأقل ظاهريا من خلال الخطابات على غرار الإتحاد العام التونسي للشغل. أم يعود ذلك إلى انهاك عصبي بعد المجهودات المضنية في مواجهة الإنقلاب. ربّما يعود هذا التراجع و الإنسحاب إلى التهديد و الوعيد و السحل الإلكتروني والتشهير بكل معارض.
أتمنى أن تكون مرحلة استرجاع الأنفاس و فترة تخطيط و تجميع للمؤمنين بالديمقراطية قولا و فعلا للذود عن المكاسب النفيسة مثل حرية الرأي والتعبير.فكم يلزمنا من الوقت كي نستفيق من غيبوبتنا؟ كم من دليل و شاهد للإنتباه من غفلتنا؟
الإنقلاب يتوسع يوما بعد يوم فقد سجن نواب و سجن محامون و أغلقت قنوات تلفزية و أغلقت إذاعة و سجن صحافيين و اختفت الحوارات السياسية من المشهد المرئي خاصة و عادت نشرة الأخبار لتذكرنا بإنجازات الرئيس فصارت كما قال القباني في قصيدة عنترة: "لا شـيء – في إذاعـة الصـباح – نهتـم به …
فـالخـبر الأولــ – فيهـا – خبرٌ عن عــنتره …
و الخـبر الأخـير – فيهـا – خبرٌ عن عــنتره …
لا شـيء – في البرنامج الثـاني – سـوى :
عـزفٌ – عـلى القـانون – من مؤلفـات عــنتره …
و لـوحـةٌ زيتيـةٌ من خـربشــات عــنتره …
و بـاقـةٌ من أردئ الشـعر بصـوت عـنتره …
هذي بلادٌ يمنح المثقفون – فيها – صوتهم ،لسـيد المثقفين عنتره …".
واليوم تتواصل حملة التطهير لتخوض في المجلس الأعلى للقضاء و تنشر قائمة أسماء لقضاة و لن يقف النزيف والإستهتار و العبث. كل ذلك بعيدا عن كل مقومات العقل السليم للخوض في الأشياء. يا من أنتم صامتين اليوم تمعنوا قليلا في مُحصّلة الإنقلاب بعد ثلاثة أشهر. النواب فاسدون و فارون من العدالة، الحكومة فاسدة، الدستور منتهي الصلوحية، الهيئات الدستورية غير دستورية و ليست بمستقلة و لا عليا، القضاة فاسدون، كل صوت حر فهو متطاول يحط من معنويات القيادة أو خائن.. باختصار الجميع متحاملون على الوطن إلاّ سيادة الرئيس!!
كل يوم يمضي يجعل من الموقف أكثر إحراجا و نغرق جميعا أكثر فأكثر فاستفيقوا واستعيدوا نضارة ثورتكم.