هنا بودّي أن ألفت النظر بدْءا الى أن ما بينهما من ارتباط ليس في حاجة إلى تأكيد؛ وخاصّة من جهة الاشتراك في براديغم الانتقال نفسه؛ فلئن كانت العدالة الانتقالية تقتضي الانتقال من وضع ظالم إلى وضع عادل، فإن الانتقال الديمقراطي يتطلب الانتقال من نظام استبدادي أو تسلطي الى نظام ديمقراطي.
على أن ما يستحق التنبيه إليه، ولاسيما بعد الفشل الذي أصاب التجربة الانتقالية في تونس، هو التأكيد على أن العدالة الانتقالية، وبالنّظر إلى علاقتها الجدلية بالانتقال الديمقراطي، لم تكن مجرّد إفراز من إفرازات هذا الانتقال، بل كانت أيضا أحد المؤشرات الهامّة على المصير الّذي سيؤول إليه.
وانطلاقا من هذه المصادرة / الفرضية التي ستشكل جوهر هذه المداخلة، سأحاول أن أبين في جزء أول منها كيف أن ما تعرض له مسار العدالة الانتقالية من إجهاض لم يكن إلا مؤشّرا على فشل الانتقال الديمقراطي؛ وأن أبيّن في جزء ثان كيف أن فشل الانتقال الديمقراطي كان "الرصاصة" التي أجهزت على مسار العدالة الانتقالية وأودت به إلى حتفه.
ففي ما يتّصل بالنقطة الأولى، لا بدّ من الإشارة إلى أن هيئة الحقيقة والكرامة - وهي هيئة مستقلة منبثقة عن قانون العدالة الانتقالية - كانت قد واجهت منذ انطلاق أشغالها، سلسلة من العراقيل المتتالية، والتي كانت بدايتها مع حادثة الأرشيف الرئاسي في ديسمبر 2014.
وقد شكّلت تلك الحادثة أول حالة صدام مع الحكومة الجديدة. حيث إنّه بمجرد فوز الراحل الباجي قايد السبسي برئاسة الجمهورية (وكان أحد أبرز وجوه المنظومة السابقة، على الرغم من النزعة الديمقراطية التي ظهرت معه إبان الحقبة البورقيبية)، بادرت نقابة الأمن الرئاسي إلى منع "هيئة الحقيقة والكرامة" من دخول قصر قرطاج ومن نقل جزء من أرشيفات رئاسة الجمهورية في إطار مهمتها المتعلقة بالبحث في انتهاكات حقوق الإنسان والفساد المالي وتحديد المسؤوليات، طبقا لما ينص عليه قانون العدالة الانتقالية
ثمّ كان تمرير "قانون المصالحة الاقتصادية" في سبتمبر 2017، والّذي وجّه إحدى أكثر الضربات الموجعة إلى العدالة الانتقالية، بذريعة الحاجة الى إنعاش الاقتصاد وتحرير الإدارة من القيود المسلطة عليها بسبب تهم الفساد التي تلاحق عددا من العاملين بها، وذلك في مخالفة صريحة للدستور ولقانون العدالة الانتقالية، لما فيه من تكريس لإجراءات الإفلات من العقاب لفائدة المتورطين بالفعل في أعمال الفساد والاختلاس، وهذا عدا عن إيقاف كل أشكال الملاحقات والمحاكمات الجارية في حقهم، الأمر الذي حدا بـ"هيومنرايتس وتش" إلى اعتبار هذا القانون "تقويضا لعمل الهيئة"، بينما اعتبرت لجنة البندقية (اللجنة الأوروبية من أجل الديمقراطية عبر الحقوق) أن "لجنة المصالحة المقترحة في مشروع الرئيس الباجي قايد السبسي"، لا توفر ما يلزم من ضمانات حول "استقلاليتها المفروضة" أو " شفافية أعمالها "، وأن هذا القانون في مجمله يبقى غير دستوري.
على أنّ محاولات تعطيل أعمال هيئة الحقيقة والكرامة من قِبل مؤسسات الدولة لم تقف عند هذا الحدّ: فإلى جانب ما وجدته "الهيئة" من رفض حكوميّ قاطع لأيّ تعاون معها، دخلت في مواجهة أخرى مع البرلمان، الّذي لم يكتف برفض مطلب "الهيئة" من أجل تمكينها من النصاب القانونيّ الّذي تحتاجه لسد الشغور الذي تعاني منه تركيبتها، طبقا لمقتضيات الفصل 37 من قانون العدالة الانتقالية (الذي ينص على أنه "في حالة استقالة عضو من أعضاء الهيئة أو إعفاءه أو وفاته يتم تعويضه بعضو آخر بنفس اختصاصه من قبل المجلس المكلف بالتشريع")، بل تمسّك أيضا برفض المطلب الّذي تقدّمت به للتمديد في أعمالها بسنة واحدة على إثر انتهاء فترة ولايتها الأصلية، طبقا لما يسمح به الفصل 18 من قانون العدالة الانتقالية. وهو ما رأت فيه "هيومن رايتس ووتش" تجويزا برلمانيا "للإفلات من العقاب" .
وخلافا لما كان يبشّر به اندحار حزب نداء تونس عن السلطة إثر انتخابات أكتوبر 2019 من أمل متجدّد في تخطّي آخر عقبة كأْداء في طريق العدالة الانتقالية كانت تعيق بحقّ أيّ محاولة لاستئناف مسارها الطبيعيّ، فإن هذه المرحلة لم تسفر في الواقع إلا عن تحقيق إنجازات متواضعة: من قبيل السماح بنشر التقرير الختامي لهيئة الحقيقة والكرامة في 24 جوان 2020 في ظل حكومة إلياس الفخفاخ، بعد طول انتظار وعقبات جمّة، أو فتح حساب جارٍ لـ"صندوق الكرامة وردّ الاعتبار" بالخزينة العامة للبلاد التونسية في ظل حكومة هشام المشيشي، أو الإعلان عن نشر القائمة الرسمية لشهداء الثورة وجرحاها بالرائد الرسمي بعد أن زالت موجبات تعطيلها.
لكن كل هذه المحاولات المتعمَّدة من مؤسسات الدولة لتعطيل مسار العدالة الانتقالية في واد، ويبقى امتناع الدولة عن محاسبة الجناة والجلادين في وادٍ آخر.
ذلك أنها وإن كانت أقدمتْ على استحداث "الدوائر القضائية المتخصصة" لمحاسبة الجناة، بمقتضى قانون العدالة الانتقالية في أواخر 2013، حتى عُدّ ذلك منها خطوة جريئة في اتّجاه تحقيق أهم شروط العدالة الانتقالية والانتقال الديمقراطي: من تصفية لإرث الماضي، ومحاسبة للمجرمين للحيلولة دون إفلاتهم من العقاب أو تفصّيهم من مسؤولية ما اقترفوا من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان أثناء حقبتي النظام السابق (وهي القتل العمد، والاغتصاب، والعنف الجنسي، والتعذيب، والإخفاء القسري، والإعدام")؛ فإن كل جلسات المحاكمات التي تمت من قبل الدوائر القضائية المتخصصة في العدالة الانتقالية، لم تثمر عن أي حكم - ولو حكم واحد - يدين المجرمين ! وفشلت في إصدار أيّ حكم نهائيّ إلى حدّ الآن؛ وهو ما يعني فشلها في تحقيق أهدافها الرئيسية.
ومن الأمثلة على العراقيل التي حصلت على صعيد المسار القضائي في هذا السياق، ما يتّصل بحجب عشرات الاستدعاءات الموجهة الى المتهمين أو الشهود للحضور في الجلسات القضائية المتعلّقة بقضايا الضحايا والشهداء ، وحرمان هذه الجلسات من أي تغطية إعلامية رسمية، لا لشيء إلا لمحو الجرائم السابقة ونسيانها وشطبها من الأجندة السياسية، نظرا إلى تورط رجالات المنظومة السابقة في أوحال القتل والتعذيب.
والحق، فإن امتناع الدولة عن محاكمة المجرمين لم يكن ليفضي إلا إلى إسقاط تجربة الانتقال الديمقراطي في تونس. وهو ما كان في الحقيقة متوقعا؛ قياسا على ما نبّهت إليه نويل كالهون، المتخصصة في العدالة الانتقالية بخصوص "المحاكمات التي شهدتها نورمبيرغ مثلا في ألمانيا الغربية"، والتي لولاها - كما تقول - "لضاعت الديمقراطية الناشئة، ونجحت محاولات النازيين لحشد صفوفهم مجددا". كما أن من عواقب الإفلات من العقاب، لا فقط حرمان الضحايا من حقهم في محاكمة المعتدين، بل إجبارهم على تطبيع العلاقة مع الإجرام والمجرمين؛ وتمييع قضيّتهم بالمراهنة على مرور الوقت للنسيان بدل إحياء الذاكرة ومعالجة الجراح.
وهذا الّذي ذكرته لكم عن المعيقات التي حالت دون مضيّ هيئة الحقيقة والكرامة بمسار العدالة الانتقالية إلى منتهاه هو الّذي أفضى أخيرا إلى إفشالها. وبفشلها لاحت النّذر بفشل تجربة الانتقال الديمقراطي برمّتها. وهو ما حصل بالفعل بعد انقلاب 25 جويلية 2021. وهنا اسمحوا لي بالانتقال إلى عرض الجزء الثاني من هذه المحاضرة، لتبيّن الكيفية التي بها أجهز فشل الانتقال الديمقراطي على مسار العدالة الانتقالية وأودى به إلى حتفه على أكثر من صعيد:
- فبالنسبة الى تنفيذ توصيات التقرير الختامي لهيئة الحقيقة والكرامة ، لم تُقدم الدولة على أي خطوة لتفعيل هذا التقرير؛ وهي لم تمتنع فقط عن استخدام "سلطتها لفضح جرائم النظام السابق"، بل لم تُوجه اعتذارها الرسمي للضحايا عما تكبدوه من انتهاكات مع كل ما ينجر عن ذلك من تأهيلهم من جديد وإعادة دمجهم في المجتمع ومؤسسات الدولة، ولم تفعّل الفصل 70 من قانون العدالة الانتقالية القاضي باستحداث لجنة برلمانية خلال سنة من تاريخ صدور التقرير الختامي "للهيئة" لمتابعة تنفيذ توصياته بعد مناقشتها من المجلس النيابي. وهو ما يعني أن السلطات الرسمية في الدولة مازالت ترفض أن تتقبل الحقيقة التي كشفتها هيئة الحقيقة والكرامة، وأنها متمسكة بالسردية نفسها التي روّجتها الدولة العميقة لعقود حول المنجز "البورقيبي" و"النوفمبري" من دون أي مراجعة.
- أما بالنسبة إلى مسألة التعويض وجبر الضرر ، فعلى الرغم من أن هيئة الحقيقة والكرامةتمكنت من أن تمنح المتضررين مقرّرات جبر الضرر وأن الحكومة في زمن المشيشي وفقت في استحداث "صندوق الكرامة ورد الاعتبار" الذي ستعود إليه مهمة التكفل بتعويض الضحايا وفي بعث لجنة خاصة لصرف التعويضات، وفتح حساب جارٍ للغرض، فإن الدولة إلى حدّ الآن امتنعت عن جبر الضحايا وعن تعويضهم على نحو ما يقتضيه قانون العدالة الانتقالية.
وهنا لابدّ من الإشارة إلى أمرين :
أولهما أن عملية جبر الضرر ليست مجرد تعويض عن النضال الذي اختاره أصحابه، ولكنه إقرار من الدولة بمسؤوليتها عن الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبتها إزاء حقوق الإنسان في التعبير والتظاهر والتنظّم السياسي. وهو ما نقف على معناه في معظم التجارب المقارنة التي تحوّل التعويض فيها إلى ما يشبه الوسيلة التي تلجأ إليها الحكومات "للتكفير عن خطاياها وتحمّل مسؤولياتها عن الآثام التي اقترفتها في الماضي".
والأمر الثاني، أنه تكفي مجرّد العودة إلى منشورات الرائد الرسمي للجمهورية التونسية، لتمييز الحقيقة من الزّيف، ولاستجلاء حجم التشويه الذي لحق بمسألة التعويضات عبر بعض وسائل الإعلام وأوقع الرأي العام فريسة سوء الفهم والمغالطات، حتى وقع في وهمهم أن ضحايا الاستبداد والتسلط (وأغلبهم من الإسلاميين)، قد استلموا بالفعل تعويضات مهمة من الدولة إلى الحد الذي أثّر على الوضع الاقتصادي للبلاد وتسبب في أزمتها المالية ! وأنّ الأمر ما دام كذلك فلم يعد من الممكن جبرهم مرّة أخرى. ولمزيد التفاصيل حول هذا الموضوع، يمكن الرّجوع إلى مقالي عن "العدالة الانتقالية في تونس"، والمنشور في مجلّة "سياسات عربية".
على أنّ الأمر المستجد في عملية إجهاض الدولة لمسار العدالة الانتقالية بعد انقلاب 25 جويلية، هو ما يتّصل بما أسماه قيس سعيد بـ"الصلح الجزائي" الذي طالما بشّر به التونسيين، ووعدهم بأن يكون سبيلا إلى إنقاذ البلاد والعباد من الفقر والإفلاس وإلى تحقيق التنمية الجهوية والتوازن بين الأغنياء والفقراء.
وهذا "الصلح الجزائي"، لم يكن في الواقع غير مشروع سبق لقيس سعيد منذ 2011 أن اقترحه في غمرة النقاش المحتدم آنذاك حول أفضل السبل لمعالجة تركة النظام السابق. وعلى الرغم من أن المجموعة الوطنية ارتأت في ذلك الوقت أن تنخرط في منظومة العدالة الانتقالية طبقا لتوصيات "برنامج منظمة الأمم المتحدة" التي تعهدت بدعمها وإنجاحها، فقد بقي قيس سعيد متمسكا بمشروعه إلى غاية حملته الانتخابية في 2019 غداة ترشحه إلى رئاسة الجمهورية، حيث أعاد طرحه من جديد ضمن برنامجه الانتخابي، قبل أن يعلن بعد 25 جويلية 2021 عن مضيّه بكلّ ما أوتي من حماس في تكريسه رسميّا وقانونيّا، وهو ما تمخّض عنه في الأخير صدورُ "مرسوم الصلح الجزائي" في 20 مارس2022.
وبفحص تفاصيل هذا "الصلح الجزائي"، يتبيّن أنه ليس أكثر من "صفقة" بين الدولة ورجال الأعمال المتورطين في قضايا الفساد المالي قبل الثورة، لاستحداث مشاريع تنموية في المناطق الفقيرة (كبناء المدارس، والمستشفيات، والمصحات عمومية)، بعد ترتيب هذه المناطق ترتيبًا تنازليًا "من الأكثر فقرًا إلى الأقل فقرًا"، بحيث يتكفل الأكثر فسادًا بالمناطق الأكثر فقرًا. وهكذا دوليك، إلى أن تتم المصالحة مع الدولة.
فهذا "الصّلح" كما يبدو هو مجرّد إجراء لمقايضة المتهم المدان بالفساد في حرّيته مقابل دفع ما انتفع به من أموال بطريقة غير شرعية، لكنّه من زاوية العدالة الانتقالية يمكن اعتباره آخر إسفين في جسدها ونسفا نهائيا لمسارها بعد السّطو على صلاحيات "لجنة التحكيم والمصالحة" صلب هيئة الحقيقة والكرامة والتي إليها وحدها كان يفترض أن تعود مهمّة إرجاع الأموال المنهوبة والتحقيق مع رجال الأعمال الفاسدين والتصالح معهم وتمويل ميزانية الدولة وتعويض الضحايا.
لكن ما يجعل من هذا "الصلح الجزائيّ" ضربا من "الشعبوية" ليس أكثر، استحالة تطبيقه في غياب الآليات القانونية والإدارية التي تسمح بضبط قائمة الفاسدين وتحديد المستفيدين من استرجاع الأموال المنهوبة، ناهيك أنّ قائمة الفاسدين التي اعتمدها الرئيس قيس سعيد كانت صدرت عن "هيئة تقصّي الحقائق حول الفساد" في 2011، وفاته أن يضع في حسبانه أن تلك القائمة قد تجاوزها الزمن، وأن معظم من ذكرت أسماؤهم فيها إما هاجروا، أو سجنوا، أو توفّوا، أو عقدوا بالفعل صلحا ماليا مع الدولة في إطار أعمال هيئة الحقيقة والكرامة.
وبالفعل، وبعد مضيّ أكثر من 3 أشهر على انطلاق أشغال "اللجنة الوطنية للصلح الجزائي" (التي انبثقت عن المرسوم المتعلق بـ"الصلح الجزائي")، لم يتحقّق في الواقع أيّ هدف من أهدافها. بل كل المؤشرات تتضافر على فشل ذريع في أعمالها، وذلك لجملة من الاعتبارات القانونية والموضوعية، ولكن أيضا لبعض الأفكار الغريبة التي أسّس عليها قيس سعيد مشروعه عن منطق الدولة الذي نعرفه؛ وإلا فما الّذي يمكن أن يعنيَه تعهّد المتورّطين في الفساد بتهيئة إحدى الجهات الفقيرة، غير تخلّي الدولة عن دورها الطبيعيّ في تحقيق التنمية بالجهات وتوفير الخدمات لجميع مواطنيها، وتطبيعها من ثمّ مع الفاسدين !؟
-وأخيرا، هل يمكن أن نختم هذه المحاضرة دون الإشارة إلى التتبعات القضائية التي باتت تلاحق رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة السيّدة "سهام بن سدرين"، وذلك استنادا إلى تهم ملفقة بـ"الفساد" و"التدليس" !؟ أليس من نكد الدّهر أن تصبح فيه سيّدة كـ"سهام بن سدرين" (وهي المتعهّدة في إطار مهامّها على رأس هيئة الحقيقة والكرامة بمحاسبة الفاسدين) في مرمى الملاحقات القضائية، ولحما يطيب نهشه بدلا عن محاسبة الفاسدين الحقيقيّين !؟ أليس من نكد الدهر كذلك أن يصبح مشروعٌ شخصيٌّ يتبنّاه رئيس الدولة عن "الصلح الجزائي" بديلا عن تجربة كونية رائدة في "العدالة الانتقالية" !؟
بقي أن نتساءل: ماذا لو نجحت العدالة الانتقالية في تحقيق أهدافها الخاصة بكشف الحقيقة ورد الاعتبار والمصالحة، وخصوصا بإصلاح المؤسسات ومحاسبة الجلادين !؟ هل كان ذلك ليحول دون نجاح الانقلاب !؟ والجواب: بالتأكيد نعم. وذلك لاعتبارين على الأقل: أولهما،أن المصالحة لو تحقّقت كما يجب، لما كان هناك من داع إلى دعم الانقلاب ومساندته أو حتى إلى التحريض عليه. والثاني، أن المحاسبة لو حصلت كما ينبغي، لما وجد أحد في نفسه الجرأة للدوس ثانية على الدستور والقانون والزج بقيادات حزبية وسياسية في السجن بذرائع باطلة ما أنزل الله بها من سلطان. ولكن ما دمنا قد تهاونّا في منع الإفلات من العقاب، كان لا بدّ أن يؤول بنا الأمر إلى مثل هذا الوضع المزري. وذلك من عدل الله فينا. ولله الأمر من قبل ومن بعد.