إنها أحداث تتجدد مع الزمان حتى تنتصر العدالة يوما ما ويعلو صوت الحق وترتفع راية الأبطال الذين صمدوا أمام دهس عجلة الظلم وضحوا من أجل إعلاء راية الحرية والكرامة أعلم إنها ليس بطلة واحدة بل أكثر من ٣٧ ألف بطلة وبطل حتى الأن أغلبهم من الأطفال الأبرياء ولكنني كتبت هذه الرواية منذ زمن بعيد.
وهى رواية طويلة كصرخة للعالم حتى لا تموت القضية الفلسطينية مؤلفة من ٢٠٠ صفحة وكنت لا أتخيل أنني سأعاصر أحداث دموية كالتي حدثت مؤخرا في غزة ولكنني حاولت أوصف مشاعر شابة وهى تختار الفداء ليلة زفافها عن الحياة كنموذج لأحد البطلات الفلسطينيات التي لا يسمع عنهم أحد إلا كأرقام تعد ضمن الضحايا ولا أحد يعلم من هم لتقول للعالم لماذا يضحون بحياتهم من أجل حريتهم وكرامتهم انها رواية تجسد واقع مرير حتى تصل القضية الفلسطينية لما تصبو إليه من حق وعدالة دولية أحداثها كانت بتدور بين العراق وفلسطين ومصر لأنها كانت تدرس التاريخ في مصر وقابلت زوجها العراقي في مصر خلال فترة الغزو الأمريكي للعراق عام ٢٠٠٣ وتدور الأحداث أثناء الانتفاضة الفلسطينية الثانية .
والبطلة هنا تجسد القضية الفلسطينية لأنها فتاة فلسطينية عانت مرارة الاحتلال ليس في وطنها فقط فلسطين بل تجرعت مرارته أيضا عندما فرت منه للعراق وأعتقدت إنها وقتها ستجد الملاذ والأمان وأمل البطلة لها مبادئ محددة في الحياة ترفض الصراع الدموي بين الأمم وتعتقد أن الدفاع عن قضية فلسطين المحتلة ممكن أن يتحقق من خلال المحاكم الدولية وبشكل سلمي متحضر من خلال الوثائق التاريخية وكانت ترفض في البداية موقف المقاومة بالحرب وتعتبره مزيدا لأرقة دماء أهلها ولكنها كانت تحب فلسطين مثلها مثل بقية أهلها ولكن دفاعها عن القضية كان يختلف فكانت تبحث عن صلاح الدين الجديد من بين تلاميذها في أي بلد عربي فهي مؤمنة أن البلاد العربية جسدا واحد ولذا كانت تبحث عن زوج من أي بلد عربي يشعرها بالأمن الذى افتقدته في بلادها ولتنشر دعوتها في تلك البلد الأخرى من خلال الوثائق التاريخية التي تثبت أن فلسطين عربية.
ولكن الذى حدث لها غير كل أفكارها وشعرت أن ما أمنت به تحطم على صغرة الواقع الجامدة بعد احتلال أمريكا للعراق وقتها وما هربت منه في فلسطين وجدت نفسها محاصرة به داخل بلد أخرى وكان لابد عليها أن تقبل الذى رفضته من قبل وتحارب مع العراقيين وخلالها فقدت زوجها وأمه التي كانت تعتبرها أم ثانيه لها فظهرت هنا بطلة من الشرق لتقول للعالم أن القضية أغلى عليها حتى من الحياة نفسها.
عادت إلى فلسطين بعد معاناه مريرة في رحلة العودة وهى مقررة ما ستفعله وأن ما أخذ بالقوة لا يمكن أن يسترد الا بالقوة وما كان لها الا أن تنضم الي المقاومة وتبدي استعدادها لأي عمل فدائي يطلب منها
ومرت أيام وصلت الى حد الشهور وهى فى حالة شرود إثر ما تعرضت له وعاشته اثناء تدمير العراق وفقدانها اعز ما لها هناك زوجها حبيبها طلال إلى أن بدأت نيران الصدمة وعذاب الفراق وثلوج اليأس تذوب تدريجيا فبدأت تشعر رويدا رويدا بوجود فارس زميل لها يدرس معها مادة التاريخ ومؤمن بأفكارها القديمة أن الحق يمكن أن يعود بالسلم !!
وأخيراً وافقت على مقابلته خارج المدرسة ٠
وفى أحدى الأماكن الهادئة جلسا الأثنين ولم يطول الصمت بينها كثيراً فنظرت إليه أمل قائلة
بصوت خافت ضعيف : "فارس أنا أعلم جيداً أنك شاب رائع وأي بنت لا تتمنى أفضل منك زوجاً لها و واستطردت قائلة ولكن أنا"…
رد فارس مقاطعها وهو يضع يده على فمها ٠٠٠"أنت أفضل البنات والنساء اللاتي التقيت بهن في حياتي وأستكمل وهو يدير عينه عنها قائلاً أنا أعرف قضيتك جيداً ومدى المعاناة التي لقيتيها قبل استشهاد زوجك رحمة الله عليه وهذا من الأولى أن يجعلني أتمسك بك أكثر. "
نظرت أمل اليه وانطلقت قائلة : "ولكنك جئت متأخر فأنا قد قررت أن أوهب نفسى للدفاع عن بلدي رد قائلاً : "وانا أيضاً قررت ذلك من قبل وبدأت بالفعل !! "
ردت أمل مندفعة :
"كيف !! ومتى ؟ هل أتصلت وأنضميت الى أحدى الكتائب وسجلت أسمك هناك؟"
نظر اليها فاغر الفاه وقال مندهشاً : "لا أنا أدافع عن بلادي بالفكر والمنطق الذى أحيه في عقول تلاميذ الجيل الجديد. "
نظرت اليه نظرة ثاقبة وضحكت ضحكة ساخرة وهى تتنهد قائلة :
"المنطق ٠٠والتاريخ ٠٠ هذه التجربة قمت بها من قبل٠"
وأستكملت بصوت اكثر مرارة قائلة : "ولكنها فشلت فهي لا جدوى منها وسط سيل الحروب الطاحنة التي يشنها أعداءنا علينا في حرب غير متكافئة بيننا وبينهم سواء في العداد أو الأسلحة فأي منطق تتحدث عنه ؟!!" وأسترسلت قائلة "أرى أن الجهاد الذى قررت بإذن الله أن أستكمله لا بديل عنه فأننا لا نملك غير أرواحنا التي ندافع بها عن أنفسنا وكرامتنا ومقدساتنا ".
رد فارس بصوت هادئ متزن قائلاً : "لا يا أمل البلد تحتاج للعلم والخبرة والمنطق في التفكير والتوعية الدينية والفكرية للجيل الجديد مثلما تحتاج للقوة الحربية فكل منا له دوره في الحياة" مستكملاً : "فأنا لا اعتقد أن دور العلم أقل من دور الحرب بل اعتقد وأرى ان العلم هو الباقي بإذن الله" .
أعادت تلك الكلمات أمل الى الماضي البعيد وذكرياتها فيه وأهدافها البريئة الحالمة عندما كانت تدرس بمصر بكلية الأداب فكان هذا منطقها ولكن الظلم الذى عاشته والأحداث التي مرت بها زلزلت كيانها وأجبرتها على تغيير مسار تفكيرها وأهدافها في الحياة.
ولكنه لا جدال أن تلك الكلمات البسيطة من فارس تركت لدى أمل قدر من الراحة والسكينة.
ومرت أيام وليالي اخرى. وكانت أمل بدأت تنسى مع الوقت امر انضمامها للمقاومة وتسجيل اسمها مع الفداءين وكان في تلك الأثناء فارس يلح عليها بالارتباط مؤكداً لها أنه سيعاونها في الجهاد بأسلوبه ومنطقه الذى هو كان منطقها قديماً السلم وتوصيل القضية للعالم.
بدأ الحاح فارس يجنى ثمره لدى أمل فلا داعى للمقاومة فأستسلمت بالفعل وبدأت الافكار البناءة تقتحم حياتها من جديد وتطرد الماضي بكل مساوئه وعذابه.
فلما لا وهو شاب وطني مناسب من كافة الوجوه فلماذا لا تبدأ حياتها من جديد وتحارب معه بأسلوبه السلمى في توعية جيل الأمة بقضية بلادهم وأخيراً وافقت أمل على الزواج !!
وتحدد يوم الزفاف في منزل أمل !! ودارات الأغاني ورنت الأغاريد لأول مرة في منزلها وبدأت شمس الحياة الجديدة تذيب ألم السنين.
دخلت حجرتها لتعدل ثوبها… سمعت رنات الهاتف يدق أمسكت به لتجد المفاجأة الكبرى رأت على شاشته أسم المقاومة الشعبية فهي كانت قد سجلت أسم القائد في غزة لتعرفه بمجرد أن يدق الهاتف.
ارتعشت يدها وهى تمسك الهاتف وكادت الأرض تدار بها من هول المفاجئة وسبح خيالها في تفكير عميق ولكن الرنات كانت متواصلة فلم تعطها فرصة لتتردد كثيراً. أخذت أمل نفس عميق ثم ردت قائلة بصوت متلجلج :
"السلام عليكم" سمعت الصوت الأخر يرد السلام. قائلاً : "عليكم السلام الأستاذة أمل معي "؟!
قالت لاهثة … بأنفاس متقطعة "أجل" .
قال : "نحن المقاومة الفلسطينية" ولم يعطيها الرجل فرصة للترحاب.
فاستطرد قائلاً : "غداً إن شاء الله تحدد موعد العملية الجهادية الجديدة وتم اختيارك لتقومي بها رداً على قذف منطقة سكانية كاملة راح ضحيتها العديد من المواطنين والأطفال الأبرياء الفلسطينيين".
سبحت أمل في خيالها في الزوج الجديد المنتظر في الخارج والبيت والأسرة والأولاد التي عاشت تحلم بهم طيلة عمرها والذى كاد الحلم أن يصبح حقيقة وواقع حي بين يدها ولكن تذكرت أيضاً طلال وأمه ومشهد انهيار المنزل وما حدث في المعتقلات وما يحدث لوطنها الغالي فلسطين كل يوم من اغتيالات وانتهاكات وتدمير.
وفجأة تذكرت والدها الذى أرتمى جثة هامدة بعدما بقرت قوات الاحتلال الإسرائيلي بطنه أمام أعينها . وتذكرت الدمار والظلم والمعاناة التي عاشتها في وطنها وفى بلاد زوجها وهو وطني عربي أخر ذاق المرار . ولم يمهلها الصوت طويلاً فأخذ يردد : "الو… الو…أستاذة أمل هل مستعدة "؟
وفجأة حزمت أمرها وأطلقت طلقتها الأخيرة قائلة : " نعم مستعدة… غداً بإذن الله سأكون عندكم"