كانوا أولاد صغار يلعبو مع بعضهم في الحومة..انت السارق و انا البوليس..انت الكوبوي وانا الكابتن أباش زعيم الهنود الحمر..أنا بورقيبة وانت الحبيب عاشور..وكانوا ديما وسط اللعبة يبدلوا الأدوار..باش الكل يرضى وكل واحد يكون مرة البطل العظيم المحبوب اللي يمثل الخير..كانوا يلعبوا وما ينغروش..ما يتسابّوش..ما يتعاركوش على الهوية ولا على الإنتماء ولا على احتكار الدور الباهي متاع البطل الفاضل..
كنوا وقتها صغار يجمعهم الحلم وتوحّدهم البراءة ما يعرفوش غدر وما جربوش الخيانة و ما عماهمس الحقد والغيرة..توفى الحرب وقت يطيح الليل وتطل الامهات هيا يا أولاد العشاء حضر..ينساو وقتها الكوبويات والبوليسية و مقرون الجدارمي وفلقة القايد..و يرجعوا اولاد صغار و اولاد حومة..غدوة نكمّلوا الاولاد..
وكبروا الوليدات ودخلوا الجامعة في الثمانينات..وكل واحد نسى صاحبو روبن هود اللي كان ديما يمنّعو وقت يهجم عليهم جنود الدوق البغيض..حتى زورو نسى صاحبو برناردو وما عادش حتى يعتبر السرجان قارسيا عدو..جمعتهم الحومة واللعبة وفرقتهم كذبة كبيرة اسمها سياسة..انت كافر وانت ملحد وانت متزمت لاهوت..انت سني وانت شيعي وانت عروبي بلعوط..القومي والاشتراكي والنقابي والهلفوت..تروتسكي لينيني بعثي ستاليني فاشي مقحوط..رجعي وامبريالي نازي ودستوري شادد الحيوط..
ولحمت بين اولاد الحومة..كل واحد في عين صاحبو خاين وكل واحد الحق معاه..ورجعوا للأدوار القديمة كل يوم عرك ومعروك اما العركة الجديدة ماعادش توفى وقت العشاء وما عادش الكابتن أباش يتعشى عند الجنرال الأبيض وماعادش الدغباجي يشرب التاي عند المقيم العام..ما عادش واحد يبدل مع صاحبو الدور..وقت كانوا صغار كانوا يعطيو لبعضهم الحق وكل واحد يسمح لصاحبو باش يمثل الخير..وقت كبروا صار كل واحد في عين صاحبو الشر الدائم..
وكبروا اصحاب اابارح أعداء اليوم..وشدّوا مناصب..وزراء ونواب ومسؤولين وإعلاميين..وصارت عندهم سلطة..وصار القصف أقوى..وصار التخوين أخطر..وحبل الكره صار أطول..وداروا على حيوط الحومة كل جماعة تجبد حجرة..
هدّوا المكتب والمستشفى والجامع وحانوت الخضرة..قصّوا الضوء على الوزينة خاطرها تخدّم في الرجعي..حرقو الوتيل شماتة في الامبريالي..وحرقوا الكار خاطر جات من بلاد شيوعية..و وقت ما قعد شيء يتكسر ولّا يتحرق كل جماعة عملت مؤتمر لكشف الحقائق حضروا فيه اصحابهم واتفقوا في نهايتو باش يحرقوا الحومة المجاورة باش ما يستغلهاش العدو..