حين أقرأ تدوينات بعض القيادات الحزبية أو أستمع لبعض تصريحاتهم أتأكد أن قيادات أحزابنا لا تختلف كثيرا عن أنصارها الذين يمارسون الحرب الالكترونية من وراء شاشات الحواسيب..
سياقات التخبط هذه هي نتاج "للتغفيص" الذي كان أعدل الأشياء توزعا بين طبقتنا السياسية..هذه القيادات بردودها الانفعالية و تراشقها الإعلامي المستمر ساهمت في مزيد التيئيس و أسست لمناخ من انعدام الثقة.
طبعا حين تكون أحزابنا بلا تصورات واضحة واستراتيجيا تفاوضية مكتملة الأركان فإن تصريحاتنا ستكون مرتبكة وتذهب من النقيض إلى النقيض. يمكن أن نرفع لاءات غليظة ونجزم بعدم المشاركة في الحكومة ونكتب بعجالة تدوينة فحواها أننا في المعارضة وفي عشية اليوم الموالي نأتي أمام عدسات الكاميرا ونطالب بحقائب وزارية لنحكم،
و يمكن ان نرفع لاءاتنا بوجه حزب سياسي معين ثم يصبح هو القشة التي ستنجينا من جحيم المؤامرات و الصعاب ،و يمكن أن نتبجح بالحديث عن البيان السياسي و نتغنى بالدور الاجتماعي للدولة و ندعو إلى ضرورة تحديد الهوية السياسية للحكومة ثم ندخل المشاورات و كأننا نخوض مفاوضات اجتماعية فتكون صياغتنا للبيان السياسي ركيكة تبرز أن شعاراتنا خاوية لا تتجاوز كونها تنميق لفكر سياسي مفلس ثم ندعي أننا مشروع حكم "نحن نحكم في سوريا و حكمنا في العراق و غيرها" في استحضار ركيك للسياقات الإقليمية و الدولية التي يخوض فيها أنصار مختلف المعسكرات الحزبية حربا الكترونية ضارية تشويها و تخوينا.
يحدث كل هذا وأنصارنا يبررون لنا ويجعلوننا نركب رؤوسنا ونتصلب في مواقفنا ونغرق أكثر في الحرب الكلامية فينشرون تصريحاتنا ونحن "نشلبق و نصرفق و نكور " بزيد و عمر فنحضر للبلاتو و نحن عازمون على الخروج منتصرين و ترذيل كل الأطراف المقابلة دون مراعاة لوضع البلاد فنواصل المناورات و إهدار الوقت..
مناورات غير مدروسة يغيب عنها عقل سياسي ينظمها و يجعلها مقبولة في إطار لعبة سياسية تحت قواعد المصلحة العامة فنصبح إزاء مهاترات و سخافات..و حين تغيب التصورات الواضحة فإننا نطمس حقيقة عقمنا السياسي بصناعة الفزاعات..الجميع يخوف و يخون و يشوه..فنصنع من إيران غولا قادما و مدا شيعيا سيبتلعنا فيلتف أهل السنة و الجماعة حولنا لنحميهم فمن يعلم قد تفتح الحسينيات في عاشوراء المقبل بتونس، و نصنع من تركيا وحشا عثمانيا آتيا حتما بتمهيد من رئيس مجلس النواب في إطار خطة التنظيم العالمي للجماعة فهلموا يا أنصار القوى المدنية الحداثية التفوا حولنا لنحمي وطننا،
و يا حماة العروبة ألم تعلموا أن الجنرال حفتر و قواته هي امتداد للجيش العربي السوري في سوريا، فلنحتمي بالجنرال الذي سيدوس المحتل العثماني و ننتظر انعطاف الجيش السوري من أرياف دمشق و حلب إلى بلادنا لتخليصنا من الإخوان..هكذا تحاليل صبيانية هل يمكن أن تبني أوطانا؟
صدقا هل يمكن أن نأمل خيرا من هذه الطبقة؟ طبقة سياسية كهذه انعدمت لديها المسؤولية، لم تكن قادرة على تحديد أولوياتها وترتيب خلافاتها لرئيسي وثانوي هل يمكن أن تنجح في قيادة البلاد، هل هؤلاء الذين يغيب عنهم العقل البارد قادرون على ترتيب آليات حكم ناجعة؟ طبقة سياسية كهذه استحضرت كل صراعات الكون لتختلف حولها متجاهلة أي مشترك وطني يمكن البناء عليه هل يمكن التعويل عليها؟
هل علمتم الآن لماذا نضحك حين نقرأ بياناتكم حول القضايا الإقليمية والدولية؟ هل تعلمون لماذا نصاب بالغثيان ونحن نقرأ مواقفكم الساذجة حول مسائل إقليمية معقدة ومركبة تحللونها بعقل بسيط لم تجردوه من مرض الأيديولوجيا الذي فتك بكم؟
لأن أمثالكم ليسوا قادرين على تفكيك المشهد السياسي الوطني و لم يستطيعوا فهم هذا الشعب أو قراءة ما يريده رغم بساطة مطالبه.."التاريخ يبحث دوما عن لاعبين" هكذا قال شيخنا "هيغل" لكنكم كنتم أردأ اللاعبين لهذا فأنتم سياقات يجب أن تتحلل و تندثر لتركيب مشهد آخر مختلف..هي نواميس التاريخ و حتمياته.