صناعة الشهرة والسلطة الفكرية

Photo

الشهرة يمكن أن تمنح صاحبها حصانة، بمعنى ما، ضدّ خصومه، وقد تخلق لصاحبها لوبيا يحامي عنه حين تعرّضه لنقد أو تلميح أو تعريض.

هل يكوّن المثقفون طبقة اجتماعية.. فئة يمكن إحصاؤها.. شبكة من المتجانسات؟ هل يشكلون مجموعة محددة المعالم، متجانسة ويمكن تعريفها بسهولة؟ هل يستجيبون لوظيفة محدّدة جدا؛ تلك التي يمكن توصيفها بالوظيفة الذهنية؟ هل يقومون بنماذج متعددة من الأنشطة الاجتماعية ذات الطابع السياسيّ والثقافيّ؟ هل شهرة بعض المثقفين صناعة محلية أم أنها إفراز من إفرازات السياسات المطبقة، ووسيلة لترويجها؟ ألا تحتاج كلّ جماعة إلى مشهوريها لتستعين بهم في أوقات الشدّة التي قد تداهمها؟

تلك البعض من الأسئلة التي يطلقها المفكر الفرنسي جيرار ليكلرك في كتابه “سوسيولوجيا المثقفين” عن انتماء المثقفين إلى بنيات اجتماعية بعينها، أو توزّعهم الاجتماعيّ، لافتا إلى وفرة خطاب المثقفين عن أنفسهم بالذات، وأنهم يعتبرون، خلافا لجماعات أكثر حرصا على السرية، من أصحاب البلاغة الذين يطلقون خطاباتهم في كل نوع. وأنهم بعد كل شيء من أناس الفضاء العام. ويصفهم بأنهم محترفو الكلام والكتابة، والاستبطان والتحليل والعمل العقلي، يعرفون أساليب النشر والمطبوعات والإعلان ووسائل الإعلان. ويرى أنه من الطبيعي أن يعتبر المثقفون حديثهم عن بعضهم بعضا في مكانه الصحيح، ذلك أنهم يتناولون عددا من الأمور، بما في ذلك الأسرار التي تتناول السلطات والنخب الثقافية أيضا.

ويعتقد أن التعايش بين ورثة رجال الدين التقليديين وصورة المثقف العلماني العالمي، أو المتجاوز للثقافات، يشكل إحدى أبرز المسائل التي سيواجهها عالم الغد، ولا سيما إذا ظل المثقف أمينا على المعتقدات الدينية المحلية التي صارت لا أدرية أحيانا، حتى لو كانت الحقائق التي تمثلها وليدة لغة جرى التعبير عنها عبر الوحي أو من خلال التقليد السائد، أو حتى من خلال الثورة والحداثة.

في الاتجاه الآخر، هناك رجال الدين الذين يعتبرون أنفسهم قادة رأي وصناعه في مجتمعات التخلف والجهل، يكونون المشهورين الذين يعتبرون أنفسهم خلائف الله في الأرض، والناطقين باسمه، ومتعاضدين مع الحاكمين بأمره، وينطلقون من سلطتهم الفكرية، ومن مركزية متوهّمة لإبراز التفوق على الآخر، من خلال عوامل متوارثة، لا دخل للاختيار أو العقل فيها.

يمكن أن تمنح الشهرة صاحبها حصانة، بمعنى ما، ضدّ خصومه، وقد تخلق لصاحبها لوبيا يحامي عنه حين تعرّضه لنقد أو تلميح أو تعريض، بحيث يدفع ليرفع إلى درجة الطوطم الذي لا ينبغي الاقتراب منه أو نقده، لكنّها لا تستطيع الارتقاء بصاحبها إن لم يكن على قدر الاستحقاق، وقد تصبح الشهرة وسيلة للتشهير بالمختلفين ومحاماة عن المستبدين باختلاق ذرائع واهية.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات