حقوق التأليف والنشر تتسم بأهمية جوهرية للثقافة السليمة، فإذا تمتعت هذه الحقوق بالتوازن الصحيح، فإنها تصير ضرورية للإلهام بأشكال معينة من الإبداع، وبدونها تصبح الثقافة أكثر فقرا بكثير.
تثير قضية حقوق التأليف والنشر عددا من الأسئلة حيال الواقع والتطبيقات المعتمدة فيه، والاستخدامات المتعددة للمواد وأجزاء من الكتب أو الأفلام أو غيرها من الصناعات محفوظة الحقوق بطريقة أو بأخرى من دون الإشارة إلى مصدرها، وليس بالضرورة أن ينطلق مستخدم هذه الأجزاء من نية مبيتة في اللصوصية أو التعدي على العمل أو حقوق صاحبه، بل ربما يكون منساقا بحسن نية، أو ببراءة إلى ذلك الاستخدام.
هل يمكن تجريم جميع المستفيدين من التقنيات والمبتكرات الحديثة الذين يتبادلون نسخا مصورة أو مقرصنة من الكتب أو الأفلام أو غيرها من المواد التي تكون حقوقها محفوظة لأصحابها، سواء كانوا أفرادا أو مؤسسات؟ وهل تمكن ملاحقة نسبة من مستخدمي هذه المواد بطريقة ما؟ هل بالإمكان الحد من هذه القرصنة المكشوفة في عالم الإنترنت عبر سن قوانين دولية أو محلية؟
يتحدث الباحث الأميركي لورنس لسيج في كتابه "نحو ثقافة إبداعية جديدة.. ازدهار التجارة والفنون في الاقتصاد الهجين" عن الحرب التي تشن للمحافظ على حقوق النشر والتأليف، وكيف أن هناك صيغة للتعامل مع مفهوم الحرب كتضحية، ولعبة صبغ تلك التضحية بلمسة شاعرية في أميركا. ويعتقد أن تلك الرومانسية أتاحت بدورها استخدام الحرب بصورة مجازية للتعبير عن أنواع أخرى من الصراعات، اجتماعية كانت أو سياسية.
يعتقد أن للحرب المجازية من أجل الثقافة وحقوق المبدعين هدفا مهما، لأن حقوق التأليف والنشر تتسم بأهمية جوهرية للثقافة السليمة، فإذا تمتعت هذه الحقوق بالتوازن الصحيح، فإنها تصير ضرورية للإلهام بأشكال معينة من الإبداع، وبدونها تصبح الثقافة أكثر فقرا بكثير. أما في وجودها فيمكن خلق الحوافز التي تدفع لإنتاج أعمال جديدة عظيمة لم تكن لتنتج لولاها. ويلفت إلى أن التقنيات الرقمية غيرت من أسلوب تفاعل ثقافة القراءة والكتابة وحقوق التأليف والنشر. وللمرة الأولى، بدأت تنظم القوانين شؤون المواطنين العاديين على نطاق عام. وللمرة الأولى، تطول يد تلك القوانين بينما كانت مخصصة للمحترفين دون غيرهم.
يؤكد لسيج أن الدرس الذي علمه إياه عمله المديد في هذا المجال هو أن السبب لا علاقة له بالغباء، ولا علاقة له بالجهل، بل السبب البسيط وراء القيام بشن حرب لا طائل من ورائها ضد الأبناء أنهم لا يملكون سوى القليل من المال كي يدعموا به الحملات السياسية، يقول إنهم في ذلك لا يستطيعون مجاراة هوليوود مثلا، كما يقول "إن أبناءنا وبيئتنا لا يملكون المال الذي تملكه شركات المرافق والنفط لدعم الحملات السياسية".
ويضيف "إن حكومتنا تتصرف بصورة غير عقلانية، لكن تصرفها هذا نابع من سبب عقلاني أصيل: وهو أن السياسة لا تتبع أي منطق، إنها فقط تتبع المال حيث يكون".