كنت متهيبًا جدا، والسيارة تطوي بنا الساعات والمسافات ... نحو قَدَرِ فراق الأجساد الفانية، نحو حبلان (الروحية ولاية سليانة) حيث يُــوارى جثمان أخي الذي لم تلده أمي ... محمد الطاهر المنصوري. حمدًا لله أن كانت رفقتي مع أصدقاء أحبة يهوّنون عليّ الآت ... عبد الرزاق الحمامي، مجدي فارح، عبد اللطيف الحناشي.
نمضي إلى مصائرنا والألم يعتصر قلبي، والخشية من الوصول إلى مقبرة العائلة في حبلان تقتحم حلقي. كنت أخشى الوصول إلى هناك حيث إعلان مرتقب لوداع نهائي.
أصْلُ الحكاية أنني لا أزال مكلوما مُذ سمعت بخبر الوفاة يوم الأربعاء صباحا،
وصدمتي كانت أعظم مما عشته عند استقبالنا للجثمان يوم الخميس في مطار تونس قرطاج قادما من الدوحة ....
كنا بضع نفر من أحبّة المرحوم وأصدقائه في الاستقبال الحزين ... أنا وعايدة بن كريم ومهدي مبروك ومحمد الرحموني وأحد الأساتذة الأفاضل وزوجته.
كانت سعيد زوجة المرحوم، وغادة ابنته وزوجها يرافقون الطاهر من الدوحة، وكان في استقبالهم أفراد من عائلة سعيدة.
فقط ... .... .... .... لا غير ؟؟؟؟؟؟
كنت أردد على مسامع رفقتي إلى الروحية يوم الجمعة بأن خشيتي كبيرة من أن يتكرر مشهد المطار، وأن تختار "العائلة العلمية" الاكتفاء بتقديم التعازي في موكب يوم الأحد بالحمامات، مقر إقامته. كان في داخلي شيء يمنعني من تصديق ذلك، وكان عبد اللطيف ومجدي يؤكدان لي أن زملاءه في منوبه و9 أفريل سيكونون هناك في المقبرة.
وبمجرد وصولنا إلى الروحية وقت صلاة الجمعة، لمحنا عددا من الأساتذة القادمين من العاصمة، يتجمعون هنا وهناك حول المسجد الذي ستقام فيه صلاة الجنازة.
.... حمدًا لله.
كان المشهد مهيبا ... رائعا ( !!) ... في مقبرة الحبلان (4 كلم عن الروحية) .. كان أحبة الطاهر وأصدقاؤه وطلبته (إناثا وذكورا) يملؤون الفضاء ... على مد البصر.
حافلتان وصلتا من جامعة منوبة وجامعة تونس ... وعدد كبير من السيارات تتوافد على المكان من مناطق عدة. كان هناك حياة عمامو (عميدة كلية 9 أفريل) والحبيب القزدغلي (عميد منوبة) وعمر بن حمادي ولزهر الغربي والبحري والقلعي والعياشي ووووووو، عدد كبير من الأساتذة، يتقدمهم وزير التربية ناجي جلول، وعدد من طلبة وطالبات المرحوم…
زال غمّي وتهيّبي، واغرورقت عيناي بالدموع، وكان التأبين الذي ألقاه شكري المبخوت في قيمة الرجل.
ذاك هو أنت يا محمد الطاهر !!!
ابتسم، وارفع سبّابتك في وجه القدر.
ستبقى خالدا، كما أطال الإمام من على منبر الجمعة مشيدا بعلمك، وستكون أعمالك شاهدة عليك ...
سيبقى ذكرك سيّارا بيننا وإن غيّبناك في التراب، وستتحول كتبك ودراساتك وما قدمته في سبيل المعرفة صدقة جارية لروحك الطاهرة إلى يوم الدين.