لا يكف ديوان الخدمات الجامعية بالشّمال عن تخييب ظن الجميع، فعوض أن يكون السبّاق في المضي قدما بالبلاد والرقي بها يكاد يكون اليوم الفيروس الأخطر الذي ينخر وزارة التعليم العالي ويضعفها. نسق بطيء يكاد يكون منعدما في تنفيذ القرارات المهمّة هذا إن وجدت، و ملفّات فساد تنبئ عن تردّي القطاع. يواصل القائمون على الدّيوان في إتّباع سياسية المحاباة و الكيل بمكيالين في اسناد الامتيازات أو الدّفاع المميت عن البعض من المقرّبين بحسب المصالح والولاءات الجهوية والشخصية حتّى و إن ثبت تقصيرهم في عملهم. و هي سياسة أقلّ ما يقال عنها أنّها وضيعة.
فبعد حادثة اغتصاب فتاة في مبيت جامعي بجندوبة في أفريل الماضي من قبل حارس المبيت و تصرّف الإدارة الغريب الذّي يتمثّل في إيقاف الحارس لعدّة أيّام فقط ثم استئنافه لعمله و نقل المتضررة إلى مبيت أخر، نستطيع أن نفهم مدى سعي الإدارة العامّة إلى تحسين وضع طلبتنا و السّهر على راحتهم. فساد القطاع يكاد يكون شاملا، ليس أخلاقيّا فقط، بل ماليّا أيضا. و هذا ما نستشفّه بمقارنة بسيطة بين الميزانيّة التّي توضع كلّ سنة لتحسين أوضاع الطّلبة من قبل الوزارة و بين الوضعيّة المزرية لبعض المبيتات، وضعيّة إن لم أرد المبالغة سأقول أنّها لا تليق بالبشر و لنذكر مثلا المبيت الجامعي للمعهد العالي للرياضة والتربية البدنية بالكاف الذّي وقع نشر بعض صوره في موقع التّواصل الأجتماعي مؤخّرا في صفحة ديوان الخدمات الجامعيّة وحذفها في نفس اليوم.
ما يزيد الطّين بلة أن من يكشف عن التّجاوزات أو يفتح فاه للتعبير عن رفضه لسياسة الإدارة العامّة تتمّ إمّا نقلته نقلة تعسّفيّة أو ممارسة ضغوطات أخرى لإسكاته. و الغاية هنا التخلّص من كلّ شريف يغار على قطاع التعليم العالي، وتكوين عصابة تجيد لعق الأحذية بامتياز و السّعي وراء تحقيق مآربهم المشتركة.
ملفّ حركة النّقل بالنّسبة لمديري مؤسّسات الخدمات الجامعيّة يعتبر الأحدث. في منشور عدد 16/ 33الصّادر في 5 ماي 2016 دعت وزارة البحث العلمي والتكنولوجي كافة المسئولين عن مؤسسات الخدمات الجامعيّة، ممّن لهم ثلاث سنوات أقدمية في خطّتهم في مراكز عملهم الحاليّة، إلى تقديم ترشّحاتهم وإختيار المؤسسة التّي يرغب كلّ منهم الإنتقال إليها مع العلم أن القبول سيكون حسب الملفّات و الأنشطة التّي تمّ القيام بها طيلة عملهم المؤسسة المزاولين بها في السنوات السابقة. كان من المفترض أن يقع وضع كلّ المؤسسّات في قائمة الإختيارات ولكن صُدمنا بأنّ بعض المبيتات الجامعيّة لم يقع إدراجها وهذا ما يجعل الأمر يبعث عن الشكّ منذ البداية، فلم يطلب من كلّ المسؤولين المشاركة في حركة النّقل ثمّ نجد أن بعض المؤسسّات قد احتفظ بها لسبب مجهول؟ وبعد صدور النتّائج النّهائيّة كان الشكّ في محلّه. فقد وقع التعسّف على البعض ممن لم يلعقوا الأحذية ونقلهم إلى مؤسّسات لم يقع إدراجها في قائمة اختياراتهم، و البعض منهم تمّت نقلته نقلة تعسّفيّة رغم أن الحركة لم تكن تشمله لإرضاء أفراد العصابة، في وقت حسّاس يجد فيه المسؤول نفسه مجبرا على تنفيذ القرار قبل أيّام من العودة المدرسيّة و الجامعيّة.
السّؤال الذّي ينبغي طرحه اليوم، هل ستواصل الوزارة صمتها أمام تفشّي الفساد في واحدة من أهمّ الإدارات التّابعة لها؟ أم أنّها ستفتح تحقيقا في الغرض وتحاسب كلّ من ساهم في التستّر عمّا يقوم به بعض الأفراد من استغلال لنفوذهم لتحقيق غايات شخصيّة بحتة و تحويل المؤسسات الجامعيّة إلى شركات تجاريّة قابلة للتوريث؟