ألازلت تشعر بالدّوار كلّما مرّ بذاكرتك اسمها؟

Photo

الأمر شبيه بالموت، كأنكّ في فراغ، كلّما طفوت أكثر كلمّا اتّسع.. ثم يتوّقف كل شيء للحظة، تتسع حدقة عينيك فجأة و يبدو لك العالم أصغر مما كان عليه. تغمضهما علّك تريح نفسك قليلا، تفتح ذراعيك و تهم بالسقوط. تتسارع دقّات قلبك ويصمّ صوتها أذنيك.. أنت تجهل علاقة الحريّة بالسّقوط و لكنك تدرك في أعمق نقطة داخلك أنّك حرّ. تفتح عينيك، لا يفصل بينك و بين الأرض سوى بعض السنتيمترات. ثمّ يلوح لك، لسبب مجهول، وجهها.. تشيح بناظريك علّها تختفي، و لكنّها تأبى ذلك.."أكرهها، أكره طريقة حديثها و كيف تغمض عينيها وتخفيهما بيديها كلّما شعرتْ بالإحراج..

أكره حكايات تسردها لا فائدة منها وصمتا لا مبرر له..

أكره كيف أنها لم تجب يوما على سؤال سألته، أكره هدوءها المستفز و لامبالاتها الوقحة..

أكره نظرة بريئة ترسمها كلّما أغاظتني و تزعجني طريقة تحريك شفتيها للتعبير عن أسفها"..

تحسّ بغضب يسع الكوكب و صعوبة في التنفس كلما راودك سبب لكرهها.. تحاول إغماض عينيك من جديد. رائحة مألوفة، تستنشقها عميقا وكأنّك لم تتنفس منذ دهر، تملأ رئتيك، ثم تفتح عينيك تدريجيا من جديد.. فنجان قهوة تمسكه أنامل صغيرة و كأنها تحضنه، صوت "أزنافور" يأتي من مكان ما.. وهي، ذاك الكائن الغريب البغيض، تبتسم لك ثم تهم باحتساء قهوتها.. يتزامن لقاء شفتيها بالفنجان بارتخاء جفونها و يخيّل لك أنها الوحيدة التّي تشرب القهوة بهذه الطّريقة..

فجأة تنتبه لك، تحدّق في عينيك طويلا كأنها تريد معرفة شيء.. "ما بك؟"، تسألك بذات الصوّت المقيت.. تهمهم باحثا عن إجابة دون جدوى، لا تجد إجابة تخرجك من مأزق تعمّدت إيقاع نفسك فيه، تواصل هي التحديق في عينيك باحثة فتجيب يائسا:

- "لا شيء، أشعر بالدّوار!

ألازلت تشعر بالدّوار كلّما مرّ بذاكرتك اسمها؟ ألازال يؤرقك تذّكر رائحة عطرها؟ ألم تفكر للحظة في الرجّوع إلي يوم اللقاء الأول وتغيير تسلسل الأحداث فيه علّك تتجنّبه؟ ماذا لو لم تستيقظ متأخّرا فتحضّر قهوتك بنفسك وتتفادى المرور أمامها للوصول إلى المقهى؟ ألن يكون عالمك أقّل تعقيدا؟ ماذا لو تلافيت الاحتكاك بكائن مثلها؟ ربّما حينها فقط سيكون للكوكب معنى أوضح.

ما يزعجك أكثر هو أنّها تستطيع معرفة ما تفكّر فيه ولكنّها أبدا لا تبوح بما يجول داخل ذالك الرّأس الصّغير. إجاباتها واضحة غير شافية.. يخيّل لمن يسمعها أنّها أجابت عن السّؤال ولكنّها فقط حامت حوله.. تستطيع أن تمضي ساعات في تفسير رأيها ولكنّك في الأخير تلاحظ أنّه لا يوجد رأي منذ البداية..

غريبة هي، مليئة بالتناقضات، مثلها كمثل صندوق داخل صناديق أخرى، كلّما فتحت إحداها وجدت أخر، ربّما تفتح المئات منها و لا تصل إلى نهايتها.. هي هكذا تبدو لك، مزعجة مسليّة في الآن نفسه..

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات