الله أكبر ...الله أكبر ...الله أكبر.
" -1-أنا من مدرسة نحن و لست من مدرسة "الانا"...صعب علي ان اذكر مصدر افتخار شخصي في المسار السياسي ،فالانجازات جماعية او على الأقل وليدة مسار جماعي ،و هذا لا ينزع عنها مسحة الخصوصية و المشاعر الشخصية "./مية الجريبي -ليدرز العربية -نوفمبر 2015.
-2-عندما تدخل عالم السياسة فأنت تجازف باشياء كثيرة،جميلة في الحياة ،بل لعلها هي التي تعطيها نكهتها :
تجازف بمصداقيتك ،فالسياسة المتداولة في خصومة مع الاخلاق و قرينة التلاعب .
و تجازف بأصدقائك ،اذ قد توجد بين الاصدقاء تنافسية تضر بعمق و شفافية العلاقات .
و تكسب كل يوم أعداء جددا بخروج التدافع السياسي عن كل ضابط .
وتجازف بمبادئك بدعوى العقلانية و الواقعية و البراغماتية ،و العقل الإنساني لا يتقن شيئا مثل إتقانه التزيين و التبرير .
عندما تغادر هذا العالم وقد تركت حسرة في قلوب الاصدقاء و احتراما عند الخصوم و المنافسين ،وصورة من لم يساوم ،عندها يمكن ان نسميك "مية الجريبي ".
-3-مية شاهدة دولة استقلالنا بكل مكاسبها وتعثراتها و انكساراتها. عندما ولدت كانت دولة الاستقلال في مرحلة الحبو ،في تلمذتها ومرحلتها الجامعية حلمت مثل الجميع . النضال الطلابي حينها كان قصة ،وكان ملحمة ،و لم يكن مرور مية هادئا ،فليس من عادتها المرور الذي لا يترك اثرا .
مجموعة قيم وموجهات كبرى حكمت هذه المسيرة :الحرية و الديموقراطية و العدالة الاجتماعية و الهوية العربية الاسلامية و الوحدة و استقلال القرار الوطني و التمكين للمرأة…
و فلسطين …
موقن انا ان الجسد الواهن هو الذي منع مية من المساهمة في الفعاليات الاخيرة لمناهضة الإجراءات التي اتخذتها الادارة الامريكية .
-4-لمية بصمتها الخاصة في النضال السياسي .كانما تلك القصيدة التي تربينا على إنشادها :"لا تساوم"كتبت من اجلها او هي من كتبتها.
قصتها قصة "النضال الشامل ":
فلم تكن تهاب مواجهة آلة القمع .المواجهة هنا تأخذ بعدها الحسي المباشر . و لم تكن تهاب المواجهة السياسية المدنية. يوم 22نوفمبر 2011لم تتردد في تقديم ترشحها لرئاسة المجلس الوطني التأسيسي .تعرف قراءة موازين القوى ،و لكنها ارادت توجيه رسالة :فالتنافس هو الالية الاساسية لترسيخ الديموقراطية الوليدة .انتهى زمن التزكيات .
و كانت تحب الميدان.
كما كانت تهوى النقاش و العطاء و تأطير الشباب . كانت تخطب فتقنع.
و كانت تكتب بأناقة .ربما يتكرم الاصدقاء في الحزب الجمهوري بتجميع حوارات و مقالات مية . ونشر ما أخفت من مخطوطات و ما اظن انه لم تكن لها خربشاتها الخاصة .
حضرت المؤتمر الأخير للحزب الجمهوري و كتبت نصا بعنوان "الحنين إلى المستقبل ".لأصارحكم الان .لم اكتب كل شيء .فقد توقفت طويلا ،بيني و بين نفسي ،عند كلمتها.كانت تتكلم بكل صدقها و بكل جوارحها،وهذا معتاد .لكن أحسست الخطاب وصية مية لرفاقها،لأصدقائها،للثوريين. كانت مية تودع نفسها .
من اراد وصية مية فليرجع لذلك الخطاب .الان يمكنني أن اكشف ما أحسست به حينها. لعل تواضعها هو الذي حال دونها و كتابة مذكراتها ،و لعل عددا من أصدقائها يعكفون على كتابة سيرتها .لن نجد قصة مية فقط ،سنجد تكثيفا لقصة جيل الاستقلال و بناء الجمهورية الثانية .
-4-منذ يومين كنت في حوار مع شقيقي المهاجر . كتب لي التالي :"لو تتصل انت ومنية بمية للمباركة بشهر رمضان ". للاسف لم نفعل ،و لا يمكن ان نتعلل بكثرة الشواغل .
-5-أعزي رفاق الحركة الطلابية و الاصدقاء في التجمع الاشتراكي التقدمي و في الحزب الديموقراطي التقدمي و في الحزب الجمهوري و كل نواب المجلس الوطني التأسيسي. أعزي نساء تونس في امرأة ماتت واقفة.
ادعو شاباتنا الى الاطلاع على تجربتها .هي من النساء اللواتي كتبن اسطر الماضي وصنعن الحاضر و مهدن للمستقبل دون انتظار جزاء و لا شكور .
-6-الراحلة العزيزة :انتقلت الى عالم العدالة المطلقة ،و نسأل الله لك فيوض الرحمة وكرامة المنزل عند المليك المقتدر.
قريبا نلتحق بك.
اطمئني فتونس و الثورة في اعيننا .