اعطيني هذا الغليون

Photo

الفصل 52 من المجلة الجزائية يجرم و استهلاك المخدرات و الفصل 230 من ذات المجلة يجرم اللواط (ممارسة الجنس بين جنس الذكور) و السحاق (ممارسة الجنس بين جنس الاناث). منذ فترة حسبناها عابرة و لكنها صارت الان طويلة و الأصوات تتعالى لرفع التجريم الواردين بالفصلين المذكورين اعلاه، أصوات اختلط فيها الحابل بالنابل و لكن أشد ما جلب اهتمامي و آثار استغرابي هو انخراط وجوه و قامات من المفكرين و المثقغين و السياسيين و حتى من رجال القانون في هذا المشروع و الدعوة إليه بإصرار و مثابرة إلى حد صاروا معه يعتبرون من يخالفهم الرأي و يدعو إلى تشديد العقاب أو على الأقل الإبقاء على حالته الراهنة مجلبة لسخطهم و سخريتهم و عطفهم…

و للأسف أجد نفسي في مرماهم لاني في الشق الاخر..شق المتخلفين…فليكن. بدعوى الحرية و الانفتاح و حرية التعبير ينادون بفتح الباب أمام المخدرات..بعدك تجريم من يستهلكها… النقاش الفكري و التنظير في هذه الامور ليس نقطة قوتي اعترف..لذلك فانا اطلب من دعاة رفع التجريم من مثقفينا و مفكرينا و سياسيينا و من ''مكونات المجتمع المدني'' ادعوهم أن يغادروا مكاتبهم و كتبهم و نظرياتهم و تلفزانهم و بلاتواتهم و يقوموا بحصص تطبيقية…كيف ذلك ؟

الامر بسيط و سهل جدا : فليقضوا بعضا من وقتهم في حي من أحياءنا الشعبية (أحزمة الفقر التي لا تبعد سوى بعض الأمتار عن العاصمة) على سبيل المثال ادعوكم الى حيث ولدت و كبرت و الى حيث مازلت ازور منزل والدي يوميا (جبل جلود : منطقة صناعية شعبية تبعد 2،5 كلمتر عن العاصمة فقيرة لكنها عريقة عمرها الاستعمار الفرنسي لضرورة النشاط الصناعي تعاونية الكروم/ معمل الاسمنت/ معمل السميد…رغم عراقتها و أهميتها كمنطقة صناعية فإن ذكرها لم يطفو إلى سطح الإعلام و الى وعي السياسيين و المثقفين. .. إلا عند اغتيال الشهيد شكري بلعيد اصيلها (نعود…اقول ادعوكم الى حومتي (رغم سكناي بالمنزه 8 منذ 1999 مازلت اعتبر نفسي ابن جبل جلود…اصلا ليس هناك مفهوك الحومة اين اقطن الان) اقول ادعوهم الى حوماي ليروا بأعينهم و يسمعوا بأذانهم و يدركوا معنى اباحة المخدرات أو التساهل فيها..ليروا شبابا تصل به ذروة الحاجة للمخدرات (le manque ) إلى حالات توحش…فيعتدي على أصوله و فروعه ناهيك عن معارفه و جيرانه و لا داعي للحديث عن الغريب…شباب لا يتوانى لطعنك بسكين ليرديك قتيلا من أجل سيجارة رفضت أن تمكنه منها لأنك لا تدخن اصلا (واقعة حصلت فعلا في جبل جلود و في أكثر من حي)…او من أجل مبلغ من المال لأنك لا تملكه أو ترفض أن تعطيه غصبا عنك…

شباب مزطول يرى نفسه بفعل النشوة الكاذبة و القوة الوهمية أن كل شيء في متناوله..مالك و عرضك و بدنك..لأنه الأذكى منك و الأقوى منك و الاجمل منك…بفعل المخدرات… ما أسهل التنظير من وراء ستار…ما أصعب العيش مع المزطولين. و مع ذلك لهو من السهل التفطن الى دمار المخدرات..فالمتابع للشأن الإجرامي و المشتغل عليه و حوله (أمن / محاماة/ قضاة / سجون / مرشدون اجتماعيون / اطباء…) يدركون إلى أي مدى ساهمت المخدرات في تشنيع الجريمة و رفع عددها…صار المجرم بفعل المخدرات لا فقط يستسهل الجريمة (la banalisation du crime ) و انما صار يتفنن في ذلك فبغعل المخدرات و أثرها الموهم صارت جريمة القتل التي كنا نسمع بها نادرا حدثا يوميا .بفعل المخدرات…

و لعله ليس من الصدفة أن يكتشف الطب الشرعي أن الانتحاري الإرهابي قد تناول مخدرات ليقدم على تفجير نفسه و قتل العشرات معه (باردو / سوسة /محمد الخامس(. في الوقت الذي شبابنا فيه ضائع محتار و يائس…ينادي بعضنا بتحليل المخدرات (legalise it ) كمل غنى بوب مارلي… المخدرات أخطر من الخمر لأنها لا تسكر و انما توهم …الخمر يخرج ما بداخل شاربه من أحاسيس و مشاعر و يفقده السيطرة عليها فتخرج في شكل رديء. اما المخدرات فتوهم مستهلكها بما ليس فيه من صفات و قدرات اصلا …و تخيلوا الصفات و القدرات التي يحدثها المخدر لدى شاب في اوج شبابه و فورانه الفكري و الفيزيولوجي و الهرموني في حي شعبي فقير منقطع عن الدراسة عاطل محروم من ضرورات الحياة ناهيك عن كمالياتها. أتدركون يا سادتي ما تنادون إليه و تطالبون به؟

في ماليزيا و اندونيسيا و ايران و الصين : ثلاثة دول مسلمة و بلد شيوعي…تصل فيها عقوبة المخدرات حد الاعدام (بالنسبة للمروج(. إذا كنا نشترك في إرادة القضاء على المخدرات التي تدمر شبابنا و تستهلكه و تفنيه عرقا بعد عرق…فأنا معكم للتخفيف من عقوبة المستهلك…لكن شريطة سن عقوبة الإعدام ضد المروج…

لأنه في الحقيقة يعدم شبابنا.. أما المناداة بتخفيف العقوبة أو حتى نحوها من المجلة الجزائية و المناداة في نفسه الوقت بحذف عقوبة الإعدام فإن ذلك مدعاة للتفكير بريبة…مع من انتم معنا أم معهم …مع شبابنا أمامه المروجين ؟

هذا فيما يتعلق بالمخدرات…اترك الفصل 230 المتعلق باللواء و السحاق لفرصة قادمة…فالقول فيه و بخصوصه أدق و أشد حرجا…

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات