
الشارع الرمز ، الذي إنتصر لوحدتنا ذات 14 جانفي بحناجر أبناء العاصمة و ضواحيها متآزرا مع الشعب الواحد و منصفا لمطالب المهمشين من الذين إغتالهم إرهاب النظام النوفمبري هو قلب العاصمة تونس ، الذي يحتضن بترحاب لا نظير له كل قادم إليه إحتجاجا أو إحتفالا ، وجهة السائح الآتي من بعيد من الخارج أو الداخل ،،، و لن أتحدث أكثر عن الرمزية فقد نحت رمزيته في أعتى المحطات و أكثرها جسامة .
اليوم إختنق فضاعة و وحشية و لا شيء غريب فنحن في حضرة الإرهاب ، و على غير صورة الجمال و مشهده المعتاد يطاله الإرهاب و على بعد أمتار من الداخلية في سياق خاص نوع ما سرعان ما أثار ردود المتابعين التي يبدو خروجها واضح عن نسق الإستهلاك العادي للخبر إلى تحليله و ربطه بمختلف المناخات …
فجرت فتاة في العقد الثالث من العمر نفسها بمادة متفجرة قيل أنها تقليدية و ما يلاحظ هو إنتفاء صبغة الوضوح بما يقدم من الأخبار المتتالية على نحو غير مقنع التفسير في عملية على درجة من الفداحة بما يفرض تقديم المعلومات من منطلق فنّي و علمي و دون تجاوز للأساس المنطقي و هو الحد الأدنى المطلوب في المسؤولين و رجال الدولة ليكسبوا ثقة المواطنين عموما و المتابع عن كثب خصوصا من رجال السياسة أو الإعلام …
فقد لاحظنا في مرحلة أولى إذاعة خبر الإنتحار بواسطة حزام ناسف و هي رواية سريعا ما تم تصويبها بأنّها نفذت بمادة تقليدية ذات صنع محلي في شكل عبوة ناسفة من قبل الناطق الرسمي لوزارة الداخلية و بعض الإعلاميين الذي إلتحقوا بمسرح الجريمة لاحقا و هو تصويب في غير محله ،
فإن كانت صورة الجثة للإرهابية تؤكد إنتفاء الحزام الناسف فمتطلبات العلم و سير التحقيق يفرضان دراسة فنية للتصريح بنوع المتفجر و محل و زمن الصنع خاصة إذا كانت جهة التصريح بالمعلومة لها وزن في سلم المسؤولية.
و الإرتباك أبعد من ذلك رافق كل الأطوار التي نتجت عن العملية الإرهابية ليعزز و يغذي غموضها و ضبابيتها عند الرأي العام الذي بات يعتبر هذه العمليات شائكة و لا تعكس أحداث عابرة أو مجردة من أبعاد سياسية يصنفها عن صواب أو مبالغة في خانة أطراف سياسية بعينها .
و في الحقيقة هذا التوجه الجديد لدى الرأي العام مبرر و معلل قياسا بدقة الأوضاع المتصلة بمجمل العمليات المتعاقبة . في هذا الإطار يجدر التنويه انّ عاملي المكان و الزمان اللّذان حفا بالحادثة يساعدان بشكل حاسم في حصر ما سيترتب عن الفاجعة .. بداية كما سبق و أشرنا الى رمزية المكان و حيويته و التي على أساسها يمكن إعتبار العملية أصابت القطاع السياحي في العمق ...
فضلا عن بعث رسائل سلبية لرأس المال الأجنبي في علاقة بدفع الإستثمار الذي هو أصلا مفقود و هذا هو الجانب المفصلي في التداعيات الإقتصادية و هي في مجملها وخيمة تنذر بأزمة في الأفق. و عن التوقيت فهو أكثر حساسية من أي وقت مضى فالحال يتسم بإحتدام صراع السلطة أحد أهم عناصره مهدد بتهمة الإرهاب ممثلا في النهضة و الحدث يعزز من مشروعية خصومها و يهديهم ورقة ضغط أو لنعتبره تجديد لورقة ضغط قديمة،خاصة الجبهة الشعبية و نداء تونس الذي كان حليفها في وقت قريب و بالتأكيد هذه العملية ستغذي واحدا من إتجاهين ،تشكيل حكومة دون النهضة و هو اتجاه تبدو مبادرات الدفع اليه حثيثة و جديّة أو مزيد تطويعها لخدمة الأغراض التي تطلبها لوبيات الحكم …
في سياق آخر متصل اتسم بتصاعد وتيرة التوتر على مستوى علاقة الداخلية بالمواطن في وقت سابق و التي ينتظر أن تشهد تطورات في إتجاه مزيد خنق فضاء الحريات بعد الدعوة العلنية الى تقنين ما يعرف بقانون الزجر و الذي يعطي حصانة للأمن في مهامه دون ضوابط كما إعتبرته منظمة العفو الدولية .
المعطيات في مجملها تؤكّد فداحة ذيول و عواقب الحدث على أكثر من مستوى ، و ما يعمق كارثية الجريمة الإرهابية دائما هو توظيفها لمصالح أطراف سياسية ما يجعل المواطن المتابع يعتقد بإرتباطها بنفس المصالح التي توظف حصيلتها .