هكذا قال مالك بن دينار لمن حوله في المسجد حين غلب عليهم الخشوع والبكاء وافتقد هو مصحفه وهكذا نستدعي مالكا مرة أخرى ليسأل نوابنا في مجلس الشعب عما جرى في ليلة التصديق على الميزانية فالكل كان يصيح فمن مرر اجراءات حماية المترفين ومن غير ما اتفق عليه في لجنة التوافقات ومن ومن ؟
ليس لدي شك في أن عددا لا بأس به من النواب يمرر أو يقترح مشاريع القوانين بطلب من جهة ما غالبا تدفع له تحت الطاولة بالاضافة إلى أنالجهة السياسية للنائب تطلب منه المصادقة او الاقتراح (وهذا بديهي أي بالنسبة لحزب النائب).
*لكن ااشكال في النظر للمشاريع والتعامل معها وفقا لاجندات أصحاب الأموال
ليس الامر خاصا بتونس وهو من عيوب النظام الديمقراطي الشكلي حتى في بلدان المنشأ ولعل ما يحصل في أمريكا وفرنسا دليل على ذلك لكننا لا نروم التسليم لنوابنا بهذا الفعل اللاخلاقي لمجرد انهم ليسوا استثناء في العالم ذلك أنه وجب أن نكون نحن الاستثناء في كل شئ.
وما حصل البارحة في مناقشة الميزانية العامة لسنة 2019 يؤكد ما ذهبت إليه بصرف النظر عن الضجيج الذي أثاره كثيرون يتعاملون مع موضوع الميزانية برأس معز الجودي
ليس لي هذا الرأس ولا أدعي علما في الاقتصاد لكن دعنا نجمل الحادثة وننظر في دلالتها
الحادثة هو محاولة تمرير تأجيل زيادة الاداءات على السيارات الموردة والفرنشيز هذه السنة صحبة الفضاءات الكبرى التي وقع الاتفاق على تمتيعها بالتأجيل الى 2020 .
الحادثة فيها سؤالان :بأي وجه حق يتم تمتيع المحلات الكبرى بتأجيل لسنة أخرى
والثاني لماذا ومن حاول تمرير السيارات الموردة والفرنشيز خفية وفي غفلة من المشرعين أي من النائب الغشاش الذي حاول "تحليل "(أي جعلها حلالا)الرشوة التي قبضها من أجل هذا التمرير (وجب تحديد المصطلحات جيدا لأننا في بلد يفرق بين الرشوة والفساد).
ما قرأته في ردود الفعل يقصر النقاش على السؤال الأول وهذا ليس عيبا فالمحلات الكبرى ليست بالخاسرة وليست في وضع صعب حتى تمنح هذا التأجيل ،علما أن هذا التأجيل كان مقررا في ميزانية 2018 فهل دفعت هذه المحلات ايضا للنواب او للوزارة حتى تعفى .
من حقنا أن نغضب للفقراء والضعفاء ونحن منهم بمقاييس المقدرة الشرائية وأمامنا أسئلة كثيرة في هذا المجال ليس أقلها لماذا لم تمنحونا أيها النواب ايتها الحكومة اعفاء على الاداءات نحن الموظفين والإجراء والفقراء والضعفاء…
لكني اعتقد أن السؤال الثاني أجدر بالتركيز عليه أولا لتقاطعه مع الاول في نقطة الدفع ثانيا وهو الأهم لأنه يكشف عن خور في منظومة القيم التي تحكمنا و خطورة تغلغل شبكات الفساد في مؤسساتنا وخاصة مؤسسة التشريع ،ذلك أن ما يجري من استهانة بالتشريعات المصادق عليها وبالمؤسسات التي تركزت في البلاد وبالقوانين والدستور انما يستمد قوته من يقينه ان مؤسسة التشريع مخترقة بصفتها السلطة الأعلى في بلد نظامه برلماني معدل أي ان النظام فاسد ومخترق وان علينا أن نبحث في مكان آخر عمن يحكمنا وليس في باردو و أنه ما لم تصلح هذه المنظومة فلا معنى للصياح باسم الفقراء والضعفاء خاصة أن الجميع يصيح باسمهم .
الجميع في مجلس النواب متهم حتى تثبت البراءة بعد التحقيق اذا تم فقد تعودنا انه اذا اردت ان تقبر شيئا فاجعل له لجنة تحقيق هكذا كنا في الجامعة وهل من يحكمنا في المجلس غير اؤلئك الذين مازالوا يتصارعون داخل التاريخ .
طبعا حين نقول الجميع لا ننفي الاستثناء لكننا لا نملك ان نثبته فليعذرني بعض شرفاء المجلس في هذا فلن يضيرهم الان وقوفهم في التحقيق.