من المفارقات ونحن نحتفل بالذكرى الثامنة للثورة أن الذين آمنوا بالثورة وناضلوا في سبيلها من شخصيات وطنية وأحزاب تقدمية اندثروا أو يكادون في حين أن الذين لم يؤمنوا يوما بالثورة وفيهم حتى من عمل ضدها نجدهم اليوم في مراكز القرار.
أين نجيب الشابي الذي كان مقر حزبه (الحزب الديمقراطي التقدمي) ملاذا للمناضلين؟ وكانت جريدته (الموقف) منبرا للرأي المعارض؟ أين المنصف المرزوقي وحزبه المؤتمر من أجل الجمهورية؟ أين التكتل من أجل العمل والحريات إلخ..؟
كل هذه الأحزاب اندثرت وبعضها انشطر إلى شقوق بعضها اندثر بدوره وبعضها مازال يصارع من أجل البقاء...
أما بالنسبة للأحزاب اليسارية فلولا "الجبهة الشعبية" التي جمّعتها لعرفت نفس المصير واندثرت... والجبهة الشعبية أصبحت اليوم عبارة عن ائتلاف لأحزاب ضعيفة وغارقة في انعزاليتها وبرجها العاجي...
وللأسف فإن كل المؤشرات تشير إلى أن أهم الأحزاب المكونة للجبهة الشعبية تعيش الآن صراعات داخلية وانكماشا غير مسبوق بسبب تفشي مظاهر البيروقراطية والسكتارية المقيتة والاستفراد بالرأي وعمليات التصفية والطرد…
لا أخفي حزني على اليسار التونسي وعلى الحركة الديمقراطية بصفة عامة وأنا أحتفل بالذكرى الثامنة للثورة... هذا اليسار الذي بات يبحث عما يفرق ولا يسعى للتوحيد وأعاد إحياء الخطاب الإيديولوجي الضيق والجملة الثورية الزائفة للتغطية على الفشل والضياع…
ورغم حزني فإن الأمل مازال يحدوني حول نهوض يساري جديد يقوده الشباب المتحمس والمؤمن بالثورة والرافض للجمود العقائدي والمنفتح على الرأي الآخر وعلى مختلف التجارب الثورية في العالم…