1/ سعيّد ماض في بنائه القاعدي، بعد أن مرّر خياراته الكبرى عبر الاستشارة (نظام رئاسي/اقتراع على الأفراد/سحب وكالة من النواب). مشروع الدستور لم يكتف بدسترة سحب الوكالة من النواب والنظام الرئاس(و)ي، ولكنه حذف أيضا شرط الانتخاب المباشر لمجلس نواب الشعب (لا فقط لمجلس الجهات والأقاليم)، على عكس انتخاب رئيس الجمهورية الذي نصّ على أنّه مباشر، وهذا دليل واضح على نيّة مبيّتة لتنزيل البناء القاعدي عبر مرسوم القانون الانتخابي، خاصّة وأنّ الأحكام الانتقالية تضمن لسعيّد مواصلة احتكار السلطة التشريعيّة بما فيها في المادّة الانتخابيّة. تحيّة خاصّة لبلعيد ومحفوظ على المشاركة في المسرحيّة.
2/ النظام السياسي رئاسوي بامتياز. الرئيس يتحكم في السلطة التنفيذية، ولا يمكن للبرلمان سحب الثقة من الحكومة إلا لمخالفتها الدستور !! (وهي بذلك أقرب للمسؤولية الجزائيّة منها إلى المسؤولية السياسية)، وإلا بأغلبية ثلثي الغرفتين البرلمانيتين (شرط صعب جدا). أمّا الرئيس، فلا يمكن عزله ولو خرق الدستور خرقا جسيما. الاقتراع غير المباشر وعلى الأفراد للبرلمان لن يزيد هذا الأخير إلا ضعفا.
3/ نظام يضعف كلّ السلط المضادّة، أولا باعتبارها وظائف (في حين أنّ السلطة التنفيذية لا تحتاج اعترافا لتكون سلطة، فلديها الإدارة والقوة العامّة). ضمانات استقلال السلطة القضائية غير موجودة، وبالتحديد الضمانة المؤسساتية التي هي المجلس الأعلى للقضاء (بالإضافة إلى منع الإضراب على القضاة). نفس الشيء بالنسبة للهيئات « المستقلة »، إذ لا ينصّ مشروع الدستور على طريقة تعيين أعضائها، مما يفتح الباب أمام تعيينها مباشرة من رئيس الجمهورية كما حصل الآن. كذلك المحكمة الدستورية، التي تتكون حصرا من قضاة حسب الأقدميّة. أمّا اللامركزيّة، فهي في عداد الماضي، إذ عدنا لدستور 1959 مع فصل وحيد لا يقول شيئا. كلّ هذا يعزّز الطابع الرئاسوي للنظام.
4/ المحافظة على معظم فصول الحقوق والحريات التي جاءت في دستور 2014 لا قيمة لها في غياب الفصل بين السلط والضمانات المؤسساتية، وأبرزها استقلالية القضاء.
5/ حذف "الاسلام دينها" رافقه أيضا حذف مدنيّة الدولة، التي كانت مكسبا هامّا وضمانة لعدم الانحراف في اتجاه تأويل يعطي للمرجعية الدينية قيمة معياريّة. التنصيص على عمل الدولة على تحقيق مقاصد الاسلام (ومنها حفظ الدين والعرض)، في غياب أيّ حديث عن مدنية الدولة، يفتح باب التأويل الديني على مصراعيه.
6/ توطئة مضحكة مبكية، نكاد نقرأها بصوت سعيّد. هي تعبير لا فقط عن حاجة سعيّد لتبرير 25 جويلية، وإنما أيضا عن هوسه بدخول التاريخ، بل و « تصحيح مساره ». نعم، لا يكتفي بدسترة ما أتاه في 25 جويلية، وإنما يعتبره تصحيحا لا فقط لمسار الثورة، وإنما لمسار التاريخ.