القانون الانتخابي الجديد لا يعترف بالنمو الديمغرافي وتطور عدد السكان في تونس، فقد قلّص من عدد النواب بإلغاء 56 مقعدا برلمانيا، وغيّر التمثيل الشعبي من نائب عن كل 60 ألف مواطن (217) إلى نائب عن كل 75 ألف مواطن (161). هدفه الرئيسي - في مفارقة غريبة- هو تشكيل برلمان خال من السياسة والسياسيين ومن الأحزاب والمتحزّبين، ومن التعددية والمنافسة بين الأحزاب السياسية والبرامج الانتخابية الوطنية والجهوية.
يناهض القانون الانتماء الوطني للنائب لصالح انتمائه لمجتمعه المحلي ( القبائل والعروش) فهو مطالب بوضع برنامج محلي صرف مرفق بـ 400 تزكية معرّف بإمضاءات أصحابها وهو العبث المقنن. المواطن الراغب في الدخول إلى برلمان الجمهورية الجديدة متهم قبل الترشح وأثناء الانتخابات وبعد الفوز بمقعد برلماني وفق ترسانة الفصول الزجرية الواردة في نص المرسوم.
من ميزات هذا القانون تغذية وإحياء القبيلة في الدوائر المتعددة المعتمديات والعروشية (العرش) في دوائر المعتمدية الواحدة. التزكيات ستشكّل ميركاتو حقيقيا لمن يدفع أكثر. وأصحاب المال مهما كان مصدره سيكونون أكبر المستفيدين، فقد حقق لهم القانون الانتخابي أحلامهم في انتخابات على الأفراد بدلا عن تشكيل القائمات وأوجاع الانتماءات الحزبية وتزكية الحزب والمنافسة داخله للفوز بتلك التزكية ورئاسة القائمة، وإرضاء من لا حظوظ لهم في القوائم المستقلّة.
هذا علاوة على أن الترشح الفردي سيفجر الأحزاب من داخلها وسيقضي على تماسكها وسيطرتها على مناضليها. سحب الوكالة هو مدخل للانتقام وتصفية الحسابات وفتح أبواب الانتخابات الجزئية بصفة مستمرّة.
أما هيئة الانتخابات فهي صاحبة القول الفصل في دخول البرلمان والخروج منه وهي سيف الرئيس المسلّط وأداة أجهزته في فرز من يستحق صفة نائب ومن لا يستحق. المرسوم الانتخابي سيؤدي إلى برلمان بدون كتل برلمانية، متشظّ، لا جامع بين نوابه، ولا برامج وطنية لهم، ستسقط فيه القوانين تباعا، وأول ضحاياه سيكون نظام قيّس سعيد نفسه الذي وضع نصا على مقاسه، لم يشاركه تصميمه أي كان من أهل السياسة وعلمائها والنخب القانونية والفكرية، ودون نقاش من أهل الحلّ والعقد المعنيين بالترشح وناخبيهم، أو دراسة عميقة للمؤسسة البرلمانية وتجربتها الوطنية وتجاربها المقارنة، ومما كُتب حولها في الداخل والخارج.
القانون الانتخابي هو انعكاس لمقاربة الرئيس التي تقوم على المركزية المفرطة والاستفراد بالحكم وتهميش كل المؤسسات التي قد تنافسه في ممارسة السلطة وقيادة الرأي العام وتولي شؤونه، فلا يجب أن يكون البرلمان القادم أكثر من وسيلة تزكية للقوانين التي يرسل بها الرئيس للتصويت عليها قبل نشرها بالرائد الرسمي التونسي لإضفاء الشرعية على نظام حكمه وتلميع صورته في الخارج.
هو قانون السير إلى الوراء والتراجع عن المكتسبات ونسف نضالات النخب الوطنية منذ أن تأسست حركة الشباب التونسي سنة 1907 وإلى يوم، وهو مثال للهدر السياسي المنظم قبل عودة الوعي والعقل والحكمة لرأس الدولة ومن يتولى شأنها.