الأحكام الصادرة عن المحكمة الإدارية بإعادة عبد اللطيف المكي ومنذر الزنايدي إلى السباق الانتخابي الرئاسي، في انتظار انصاف عماد الدايمي، لها معاني عميقة ودلالات كثيرة منها:
-الحدّ من جموح سلطوي واستبدادي ومنزع هيمني على كافة مؤسسات الدولة، انطلق يوم 25 جويلية 2021، وجعل تلك المؤسسات في خدمة الرئيس سعيّد وسلطته ومشروعه الهلامي ، في طريق سالك ديست على اسفلته كلّ المعارضات السياسية والمدنية والإعلامية والمواطنية ذات الخلفية التدوينية ماديا ورمزيا رغم سلميتها، وهُمّش في ثناياه الرأي الحر المغاير المختلف ثلاث سنوات بالتمام والكمال، إلى أن جاء هذا الحكم التاريخي ليقول لا للسلطوية والتسلطية والاستبداد بموجب نص القانون، فهو حدث تاريخي في الحياة السياسية والقانونية التونسية ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
-يدعي بعض بسطاء القوم أن هذه الأحكام هي دليل ديمقراطية حكم الرئيس سعيد، ما يجعلها تنزع عنه كلّ وصم استبدادي، بل هي دليل الإفلات من التعليمات ورد الاعتبار لقضاء تريد السلطة السياسية أن تجعل منه مجرّد وظيفة تابعة لها بنص الدستور لا استقلالية له ولا تحكيم لضمائر قضاته. أما الاستبداد فأدلّته كثيرة وقاطعة، أقلها أن يقبع بالسجون أصحاب رأي ومدوّنين وصحافيين واعلاميين ونشطاء مدنيين وساسة ورؤساء أحزاب منهم من كان يرغب في خوض معركة الرئاسيات ومُنع.
- المحكمة الإدارية بأحكامها العادلة لم تنصف المكي والزنايدي، في انتظار الدايمي، فقط، وإنما أعطت معنى ومصداقية لترشحات زهير المغزاوي والعياشي الزمال وكذلك المترشّح قيّس سعيد، فحمته من وساوس الفوز من دون منافسة أو بوجود منافس صوري، وعدّلت الميزان الانتخابي وجعلت المنافسة الانتخابية النزيهة والتداول السلمي السلطة أمرا ممكنا والكلمة الفصل تكون للشعب.
-في أحكام المحكمة الإدارية إعادة الاعتبار إلى نخب الدولة الوطنية التي تتعرّض من سنوات للقصف المركز والتخوين والتأثيم والعدوان والسحل الافتراضي والواقعي، حتىّ غصت المحاكم والسجون بمختلف شرائح تلك النخبة من نساء ورجال مختلف الحقب والعشريات لأبسط التجاوزات ورغم انعدامها أحيانا وبحقّ وبدون وجه حقّ.
وبعد أن أنصفت المحكمة الإدارية الناخب التونسي قبل أن تنصف المترشّح، فأعطته فرصا للاختيار، من يجير هذا المواطن من غطرسة هيئة نصّبت نفسها، وفق تصريحات رئيسها، محكمة فوق المحكمة، لاعبة دور البرلمان وجاعلة من قراراتها الترتيبية قوانين لا يرقي إليها الشكّ، مستغلّة ضعف المؤسسة التشريعية وانعدام شعبيتها وقلّة حيلتها ومحدودية سلطتها فهي مجرّد وظيفة؟