بتصرف عن الشاعر "أبو الطيب المتنبي":(دخول بأية حال عدت يا دخول...بما مضى أم بقادم فيك مجهـول؟).
إن الحكومات المغربية المتعاقبة قد أظهرت أنها عاجزة على تأمين الدخول المدرسي العادي لكل المواسم الدراسية فمع كل دخول مدرسي جديد تطرح إشكالية التعليم العمومي ببلادنا والمشاكل البنيوية التي يتخبط فيها إلى جانب المشاكل المرتبطة بالموارد البشرية نتيجة اختلالات عديدة يعيشها قطاع حيوي يعتبر ركيزة أساسية من ركائز التنمية البشرية ويعول عليه في بناء مجتمع العلم وبناء الإنسان، قد تكون الوزارة المعنية عن القطاع استطاعت أن تضمن تآمر النقابات الأكثر انتهازية لتمرير النظام الأساسي الفاقد للمصداقية وأن تمسك عنها غضب الآلاف من آباء وأمهات التلاميذ والتلميذات وأن تخمد نيران مشاكل أغلب المؤسسات التعليمية ببلادنا ولكنها تناست أن مثل هذه الإجراءات تتناقض والإصلاح المتمثل في الرؤية الاستراتيجية للمدرسة العمومية المغربية (2015-2030)، ومن خلال تقييم بسيط لحصيلة الإعلان عن التوقيع على الاتفاق مع النقابات التعليمية الأكثر انتهازية (UMT) (CDT) (UGTM) (FDT) والحكومة الأقل شعبية على النظام أساسي فاقد المصداقية لضرب المدرسة العمومية يأتي في وقت يشهد فيه القطاع منذ بداية العام الدراسي الحالي 23/24 احتقانا مع موجة احتجاجات والذي يستشف منه أن الهدف المتوخى وهو المقاربة التشاركية بين كل المعنيين بالقطاع بعيد كل البعد، هذه الوضعية المقلقة تعكسها التقارير المنجزة سنويا من طرف منظمات دولية الذي تصنفه في المراتب المتأخرة إلى جانب دول تعاني من الحروب والاقتتال والفقر.
إن الهدف الأسمى لأي شكل من أشكال النضال والتفاوض سواء كان نقابيا، حقوقيا أو سياسيا هو توفير أسباب العيش الحر والكريم للمطالبين بحقوقهم وليس بالضرورة أن يكون الإطار المعني نضاله محصورا قائدا متصدرا للصفوف بل هو الانحياز لما يؤمن به من مبادئ شريفة وهو من لا يناضل ويفاوض ليحقق نصرا يستمتع به ويجني حصاده بل هو من ينتصر للمطالب المشروعة التي يراها الطرف الآخر بضاعة غير واقعية وغير رابحة بل هو من يموت نظيفا وهو معاديا للفاسدين، إن غياب استراتيجية التعبئة الدائمة من طرف الإطارات النقابية الأكثر انتهازية المفاوضة للحكومة الأقل شعبية على تمرير النظام الأساسي الفاقد للمصداقية الهادف لضرب المدرسة العمومية لإعادة الاعتبار للنضال الجماهيري كفاعل أساسي لكسب رهان التحدي في مقابل حضور الخطاب الديماغوجي والأساليب التضليلية والتشخيص النظري للأوضاع والحسابات الضيقة بهدف تحقيق أغراض شخصية مقيتة هو ما أدى حتما إلى تبخيس قيمة كل مراحل التفاوض وفي نفس الوقت التشكيك في كل مخرجاته والنفور الجماعي من كل دعوة للالتحاق بأقسام الدراسة وهذا ما نقف عليه في مجموعة من المحطات النضالية والدعوات للإضرابات من طرف تنسيقيات تشكلت على إثر تخاذل الإطارات المفاوضة والتي عرفت نجاحا صادما ومحرجا للحكومة والنقابات لأكثر من ثلاثة أشهر، ورغم أن الاطارات النقابية الأكثر انتهازية المفاوضة للحكومة الأقل شعبية كانت تدفع أحيانا في إتجاه محاولات النضال الوحدوي التنسيقي لكن لم يكن كتكتيك استراتيجي قائم على مطالب نضالية حقيقية بل كظرفية أملتها عليها فرصة موسمية عابرة في لحظة معينة والتي كان غالبا مصيرها الفشل والمزيد من الإحباطات وزرع اليأس في جميع المتدخلين.
إن أهمية هذه الأسئلة مرحليا: هل الإطارات الوصية على العمل النضالي قابعون في دائرتهم المغلقة يعيشون أزمة الاتصال والتواصل؟،وأي مستقبل للعمل النضالي الجماهيري في ظل التحديات المطروحة وغياب البديل الحقيقي؟،من المفروض الإجابة عليها والحسم معها من طرف الإطارات السياسية، النقابية، الحقوقية لاسترجاع الدور التاريخي للعمل النضالي الجماهيري بدل القفز عليها وبشكل لا ديمقراطي ولا أخلاقي ليستمر الوهم النضالي تاركا ورائه المزيد من خيبات الأمل وفقدان الثقة وما يساهم في تكريس هذه الوضعية هو غياب تام ومقصود للتقييم والنقد للعمل النضالي للإطارات التي تدعي الجماهيرية وتراجع الدعم الشعبي لها في جميع المحطات النضالية، وانطلاقا من مبدأ النقد والنقد الذاتي يصبح من الواجب النضالي على الإطارات التي تناضل من أجل تحقيق ذلك الهدف الأسمى أن تضع أمامها أن المبادئ لا مساومة عليها فهي النبراس الذي يهتدى به فمثل هذه المساومات مدمرة لا تبني شعبا مكافحا مضحيا بل شعبا يائسا متدمرا فاقدا للثقة فالغاية لا تبرر الوسيلة وأن الأهداف النبيلة لا تحقق بوسائل خسيسة فالنضال والتفاوض تحت الطلب لمجرد امتصاص الغضب(وهو عمل وزارة التربية الوطنية و التعليم الأولي و الرياضة وعلى رأسها الوزير الوصي الحالي على القطاع هو أشبه بعمل رجل الإطفاء) يجب التصدي له بصفة حاسمة لأن التغاضي عن مرض في بدايته هو تركه يستفحل.