ارتباطا بسلسلة من المقالات المترابطة عن إقليم شفشاون يتأكد على أن كل الثورات التنموية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الهادفة في العالم ابتدأت من الإنسان وإلى الإنسان انتهت، وها هي الدولة المغربية تطلق مشروع النموذج التنموي الجديد فهل يمكن للمواطن المغربي بشكل عام والشفشاوني بشكل خاص المتهم حتى تثبت براءته، اليائس، الغارق في مشكلات يومية تافهة... الأمر الذي نتج عنه انتشار ظاهرة الانتحار في وسطه بشكل مخيف أو الهجرة للمدينة كبديل التي طفت على السطح مؤخرا أن يساهم في تنمية وطنه/جهته/إقليمه/منطقته؟.
يعرف إقليم شفشاون بعلامات كثيرة لا يمكن طمسها رغم أن عبث الزمان الذي يستهدف عمقها وشموخها قد يؤثران على تاريخها الباهر والحافل بالأمجاد والبطولات وإلى جانب ذلك تعرف أيضا بالكيف والبعض يصر أن تكون للكيف وللكيف فقط، لم يعد مقبولا تسمية الكيف الشاوني بالقنب الهندي ليس إنكارا لأصله ولا تشبثا بانغراسه العميق في التربة لأنه ليس بالشيء الذي يفتخر بامتلاكه أو يتنازع حول انتمائه ولكن لتوفره على شروط حمل الجنسية بامتياز ورغما عن ساكنة الإقليم كمواطنين متضررين بالدرجة الأولى، فلقد شكل الكيف الشاوني كصناعة قائمة بذاتها مصدر إثراء وجاه بالنسبة للعديد من الأباطرة والمنتخبين ومن الطبيعي أن يتم حمايته ليستمر بل وأن يتوسع إنتاجه بهذه الطريقة أو تلك وأن يتم تسويقه وترويجه بكل مشتقاته بالداخل والخارج ضدا على كل الأصوات التي تدعوا إلى إنقاذ أبناء الإقليم من سمومه وأثاره المدمرة وهته الحماية المستمرة بما في ذلك التستر على تبييض عائداته ليست خافية على أحد وتعد من العناصر الأساسية لمجموعة من التحقيقات الصحافية المكتوبة والمرئية والتقارير الوطنية والدولية التي تتحدث عن شبكات المخدرات ذات الامتداد الدولي والمرتبطة بفرق الموت على الطريقة المغربية في مجال الهجرة السرية والتهريب و أخيرا الإرهاب.
إن النموذج التنموي الجديد أمام معضلة لا تقل خطورة عن باقي المعضلات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتعد محكا حقيقيا لمصداقية الشعارات المرفوعة ولجدية الخطاب الرسمي فيما يتعلق بالتطهير والتخليق ولمدى تجاوبه مع الإلحاح الأوروبي على وقف تسرب القنب الهندي ومشتقاته إلى ترابه، كما أن الهيئات السياسية بدورها معنية بهذه الآفة القاتلة لأن غض الطرف عنها مؤشر قوي على العجز بالنسبة للبعض وتواطؤ للبعض الأخر هذا الأخير الذي يضم في صفوفه أباطرة المخدرات بالمكشوف وبفضلهم نمى رصيده المالي و البرلماني.
تحت هذا العنوان(اٌلتَّوَاطُؤُ وَاٌلصَّمْتُ وَتَشْجِيعُ زِرَاعَةَ نَبْتَةَ اٌلْكِيفْ)كان قد كشف تقرير لجمعية حقوقية مغربية بتورط وزارة الأوقاف والسلطة والمنتخبين في زراعة الكيف عقب زيارة ميدانية قامت بها إلى بعض المناطق المزروعة بالكيف بإقليم شفشاون حيث أورد التقرير أنه تم الوقوف على قطعة أرضية وهي مزروعة بالكيف على مساحة 4 هكتارات بعدما تم الاعتداء على الملك الغابوي وأكد التقرير أن بعض السكان الذين تمت ملاقاتهم يؤكدون أن أصاحب الأرض المذكورة يحرثون قطعا عديدة يبلغ مجموعها 14 قطعة بمساحة إجمالية تقدر بـ23 هكتار كلها مزروعة بالكيف أمام أنظار السلطات المحلية والدرك الملكي، وكشف التقرير أن صاحب الأراضي المزروعة بالكيف مستشار جماعي ويحمل صفة فقيه كمهنة يستغلها في الترشيح للانتخابات ليصبح من أكبر أباطرة المخدرات بالمنطقة هذا وأن أغلب القطع الأرضية المزروعة بالكيف أنجز بشأنها بيوعات عرفية لأبنائه بما فيهم القاصرين تحسبا لأي مخاطر قضائية، واسترسل التقرير في الكشف عن أن أعضاء الجمعية الحقوقية في منطقة أخرى وقوفوا على وجود عدة قطع أرضية مزروعة بالكيف مساحتها تفوق 7 هكتارات تعود ملكيتها لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية حيث أوردوا أن الأراضي مترام عليها من طرف من يحرثها دون أن تحرك الجهات المالكة ساكنا وزادوا أن مسؤولي الأوقاف لم يسبق لهم أن اتخذوا أي إجراء في مواجهة المترامي كما أنه لا توجد عقود كراء أو ما شابه ، وبعد الاستفسار في الأمر هناك من فسّر الأمر بأنهم يتفادون مثل هذه العقود حتى لا يتورط الشخص الذي يحرث الكيف و أن هناك عقود كراء في اسم أشخاص غريبين عن المنطقة ولا يتحوزون للأرض وهي الأساليب التي يلجأ إليها للتمويه والتحايل على كل حملة محتملة من أجل إلصاق التهمة بأصحاب العقود.
إذا كان هذا هو حال الماضي المستمر في الحاضر فماذا عن المستقبل في ظل النموذج التنموي الجديد؟، فإذا كانت الدولة اليوم مشددة على أن تقنين لهذه الزراعة لأهداف تنموية سيمكن من إخراج المنطقة من الاستغلال الاقتصادي والسياسي والقهر والإقصاء فإن التحديات المطروحة اليوم كذلك كثيرة وفي مقدمتها المعالجة السلمية والبحث الجدي عن أنجع السبل لنزع الجنسية الشاونية عن الكيف والحد من انتشاره وتوسع استهلاكه وذلك في إطار مشاريع وأوراش تنموية كبرى وواقعية تتماشى وخصائص الإقليم من مناخ وتضاريس ...والتي يتوخى منها النهوض بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لوقف نزيف الهجرة أولا ثم بعد ذلك إرساء بدائل فعلية من شأنها رفع الحيف عن المنطقة المهمشة والمحذوفة من أجندة القيمين على الشأن بعيدا عن الحملات الفلكلورية كحملة 1996 وما سمي بالمبادرة الوطنية للتنمية البشرية.