لو فكر أجدادنا كما يفكر الرئيس قيس سعيد (عندما تساءل في حواره مع فرانس 24 الناطقة بالفرنسية عن فائدة طلب الاعتذار من فرنسا بعد ستين سنة من" الاستقلال")، لو تساءلوا مثل "رئيسنا المفدّى" لطرحوا على أنفسهم السؤال التالي: لماذا نطالب بالاستقلال عن فرنسا بعد عشرات السنين من "الحماية"، بل لكان سؤالهم الأهم : لماذا نطالب أصلا بالاستقلال ونحن" محمية" ولسنا مستعمرة فرنسية مثل الجزائر، ولماذا لا نحمد الله على هذه النعمة التي يحسدنا عليها أشقاؤنا في الجزائر ؟
إن منطق رئيسنا نفسه- وهو منطق يتماهى مع الرؤية الفرنسية- هو أكبر دليل على أننا لم نكن فقط مستعمرة فرنسية حتى سنة الاستقلال الصوري عن فرنسا، بل إننا مازلنا مستعمرة فرنسية إلى حد الآن. فالفرق الوحيد بين الاحتلال المباشر وبين ما نعيشه الآن هو أن فرنسا تستطيع حماية مصالحها الاقتصادية والثقافية دون أن تتكفل بإرسال جندي واحد إلى بلادنا (مع الكلفة المالية والأخلاقية لذلك)، فهناك نخب تونسية مختلفة في ايديولوجياتها، ولكنها متوحدة في الدفاع عن " ماما فرنسا" بكل ما أوتيت من سفسطة وتضليل وتزييف للواقع والتاريخ.
لقد قال رئيسنا إن طرح مسألة الاعتذار الفرنسي في هذا الوقت هو مسألة مشبوهة (غير بريئة)، ونحن نريد أن نسأل سيادته السؤال التالي: هل دفاعك عن الرؤية الفرنسية للتاريخ وللواقع هو دفاع بريء تريد به وجه الله والثورة أم إنه دفاع " مشبوه" تريد به وجه ماكرون ومن وراءه ممن يعتبرون كل خطاب أو فعل معاد للكيان الصهيوني " معاداة للسامية"؟
يا سيادة الرئيس، إذا كان الاعتذار الفرنسي" الصريح" عن فترة الحماية قابل لأن يعوّضه اعتذار" ضمني" عبر الاستثمار في تونس، ألا تكون فرنسا قد وفت بدينها لتونس باعتبارها المستثمر الأول في تونس قبل الثورة وبعدها (1400 مؤسسة و140ألف موطن شغل)؟
ومادمت لا تنكر حق تونس في الاعتذار العلني والرسمي من لدن فرنسا، هل لك أن تقول لنا ما الذي سيجبر فرنسا على فعل الأمرين معًا وهي- حسب لازم كلامك- قد اعتذرت ضمنيا عبر استثماراتها" البريئة" التي جعلت من تونس جنة فوق الأرض زمن" صانع التغيير" ومن قبله في زمن" صانع النمط"- وهي استثمارات بالطبع لا علاقة لها بسياسات الهيمنة الفرنسية اقتصاديا وثقافيا، فهي استثمارات " انسانية جدا" وكان آخرها يوم 13 جانفي 2011 عندما عرضت وزيرة الخارجية الفرنسية بعض الاستثمارات الفرنسية في الغاز المسيل للدموع وما تيسر من آلات القمع-؟