النّهضة و 'داعش' و النّضال ضدّ الارهاب.( كلمة الى السّياسيّين التّونسيّين.)

Photo

اهداء:

الى شهداء ' بن قردان' من العسكريّين و شبه العسكريّين و المدنيّين و الى نساء تونس في عيدهن العالمي.

نشرت أمس تدوينة فايسبوكيّة قصيرة تقول :

" اذا كان هدف داعش الآن هو فعلا تأسيس امارة اسلامية في بن قردان فأحسن هدية سياسية تقدّمونها لها هي معركة بين النهضة وخصومها السياسيين. سيفرحون بكم كثيرا."

ثارت ثائرة بعض أصدقائي و مارس آخرون 'قانون الصمت' بينما راسلني بعض من أصدقائي ممّن قلبهم على النهضة شاكرا . وبما انني ألاحظ في المدّة الأخيرة خلطا كبيرا بين النهضة و داعش متى ما وقعت عملية ارهابية فسأحاول توضيح الأمر كما يلي.

بداية سأتوجّه الى نقّاد النّهضة. ولكن على النهضاويين و أصدقائهم الاّ يفرحوا كثيرا فالحديث يعنيهم أيضا وسيصل اليهم أيضا بعد حين.

أقول ببساطة :

1- النهضة الآن حزب سياسي يمارس النشاط السياسي و داعش تنظيم عسكري يمارس العمل الارهابي المسلّح.

2- النهضة اخوان مسلمون ( يستفيدون من ابن عبد الوهّاب) و داعش تنظيم سلفي وهّابي خالص.

3- النهضة حركة سياسية تونسية و داعش تنظيم ارهابي دولي.

4- النهضة تخلّت عن 'الثورة الاسلامية المسلّحة و داعش ترفض حتى المفهوم التقليدي للثورة الاسلامية المسلحة و تمارس الارهاب.

5- النهضة تقبل باطار الجمهورية (المسلمة) و داعش تريد امارة و ترفض حتى 'الجمهورية الاسلامية'.

6- النهضة حركة دستورية -قانونية و داعش لا تعترف أصلا لا بالدستور ولا بالقانون.

7- النهضة حركة سياسية علنية و داعش حركة عسكرية 'سرّية'.

8- النهضة كانت و هي الآن جزء من السلطة و داعش ضدّ الدولة أصلا.

9- النهضة تقبل الانتخابات و تقبل خسارتها و داعش ترفضها وجودها أصلا.

10- النهضة تعتبر داعش ارهابية و داعش تعتبر النهضة خائنة للاسلام.

***

11- هل يعني هذا انه لا توجد أيّة نقاط تشابه أو تداخل بينهما؟
لا بل توجد، ويمكن تلخيصها في كونهما من اشكال الاسلام السياسي )و عبارة اشكال تعني التعدّد والاختلاف و عبارة الاسلام السياسي تعني وجود نقاط متشابهة.)

12- و هل يعني هذا انه قد لا يوجد أي تقاطع بينهما في المطلق؟
لا، يمكن أن يوجد ، وقد وجد بشكل ما موضوعي على الأقل، في سوريا من أجل تحقيق هدف مشترك.

13- و هل يعني هذا انه لا توجد قوى دولية قد تساندهما معا؟
لا بل توجد. و هذه القوى تريد لو تستعملهما معا وباستراتيجيات مختلفة لتحقيق أهدافها هي بالأساس و هي قوى اقليمية و دوليّة .

14- و هل يعني هذا انه قد لا يمرّ أناس من فكر النهضة الى فكر داعش أو العكس؟
لا بل يمكن ، و لكن المرور نفسه يعني وجود مسافة يجب عبورها .

15- و ما معنى المرور هنا؟
انه المرور من 'الاسلام السّياسي' الذي لم يعد حتى 'اسلاما ثوريّا'- كما كان يقول عن نفسه - الى 'الاسلام الارهابي' أو في الاتجاه العكسي .

16-و هل كانت حكومة النهضة بعد انتخابات المجلس التأسيسي في 2011 مثلما هي حكومة داعش في الموصل الآن؟

17- وهل داعش تحكم تونس مع الرّباعي الحاكم الآن و لكن فقط بنسخة أو بقناع النهضة؟

18-و هل كان تحالف 18 أكتوبر مع النهضة تحالفا مع نسخة من داعش؟

19- و ما الفرق بين "تحمّل المسؤولية السياسية و الأخلاقية في الاغتيال" (و الارهاب) و بين الاغتيال و الارهاب نفسهما؟

20- و هل تجلسون في البرلمان و تدعون الى مؤتمر مقاومة الارهاب مع نسخة من داعش ؟

المهمّ هنا هو انّ امكانيات التشابه و التقاطع لا تعني التطابق و المماهاة بينهما. سيكون ذلك مثل الحديث عن التطابق و التماهي بين الأحزاب الأورو- شيوعية و بين الجيش الأحمر أو الألوية الحمراء في الستينات من القرن الماضي…بحجة انهم جميعا من اليسار الشيوعي. أو ستكون المقارنة بين سلطتيهما كالمقارنة بين سلطة لينين في الاتحاد السوفييتي و سلطة بول بوط في كمبوديا. و هنا أستعمل فقط روحيّة المقارنة لتقريب الفكرة و لا علاقة لذلك باية مقارنة تاريخية و فكريّة و سياسية بين التيارين فذلك أمر آخر تماما.

أقول ببساطة مطوّرا اجابة كنت قدّمتها لصديق اغتاظ من تدوينتي :

انّ التدوينة أعلاه فيها جملة شرط و جملة جواب شرط فيها :

-" اذا كان هدف داعش الآن هو فعلا تأسيس امارة اسلامية في بن قردان" و هذا فيه عبارات 'الآن' و 'فعلا' أي تحديد للزمن و لمدى جدية الخطر الداعشي… وفيه بناء على ما سبق (جواب الشّرط) " فأحسن هدية سياسية تقدّمونها لها (لداعش) هي معركة بين النهضة وخصومها السياسيين. سيفرحون بكم كثيرا."

هذا يعني انّ كلامي في جواب الشرط لا يصحّ الا اذا كان الشرط متوفرا. و هو ليس كلاما عاما عن الانتقال الديمقراطي و المحاسبة و المصالحة و عن الاستبداد…بل هو كلام عن ضرورة مواجهة داعش الآن تحديدا و عدم الدخول في صراع بين النهضة و خصوم النهضة -الذي هو صراع سياسي يجب الوعي بانّه لا يجب حله عسكريّا مثل طريقة حل الصراع مع داعش بل بطريقة سياسية سلميّة .

و أقول انّه اذا كان الشرط السابق متوفرا يصبح الربط بين داعش و النهضة الآن تحديدا خدمة لداعش و دفعا لقواعد من النهضة بقيادة 'الصقور' الى 'التدوعش' و يصبح دفعا لغيرهم الى 'التدوعش'المقابل…وهذه هي 'الفوضى الخلاقة' التي تبحث عنها داعش ومن هم وراءها.

وحتى ان لم يكن تهديد داعش الآن كبيرا فان الخلط بين النهضة وداعش فكريا و سياسيا في تونس خاطئ تماما. لنفس الأسباب المذكورة أعلاه.

ان فتح صراع مع النهضة من منطلق انها مثل داعش قد يعني نظريّا احتمال تدشين 'حرب أهليّة' في تونس. وبما انه لا أحد يملك السلاح من المتخاصمين الحزبيين ( من حسن الحظ الى حدّ الآن) فالأرجح سيكون ذلك في شكل ' تصفية أهلية' كما يريد أنصار الانقلاب العسكري على الطريقة المصرية أو أنصارعودة الاستبداد البورقيبي- النوفمبري عبر الدولة البوليسية التي ستقوم بارجاع النهضة الى السجون و المنافي كما يردّد البعض على شبكات التواصل الاجتماعي خاصّة. و اذا انتصرت النهضة في هكذا صراع قد تكون على الأرجح قد عادت حتما الى نموذج نظام الاسلام السياسي التقليدي.

ان الصراع مع النهضة هو صراع فكري و سياسي سلمي و يجب أن يبقى كذلك طالما التزمت هي و غيرها بالدستور و القانون و بالصّراع السلمي. وانّ من محاور ذلك الصّراع تفاصيل كلّ النقاط العشرين المذكورة أعلاه حتى يقع دفع النهضة أكثر فأكثر بعيدا عن الاسلام السياسي المتطرّف عموما .و ان هدف ذلك الصّراع عند خصومها لا يجب أن يتجاوز هزمها فكريا و سياسيا و انتخابيّا طالما قبلت هي نفسها باللعبة الديمقراطية و يكون الصّراع على قاعدة محتويات افكارها وبرامجها و علاقاتها و ممارساتها التي بها مشاكل كبيرة و تحوم حولها تساؤلات عديدة وطنيا و خارجيّا. ولكن يجب أن يبقى ذلك في اطار الممارسة الديمقراطية.

انّ المطابقة والمماهاة المنتشرتين بين داعش و النهضة في تونس لهما مصدران :

-امّا سوء الفهم و الخلط الفكري و السياسي الذي له جانب يتعلّق بزئبقية خطاب و سلوك النهضة من ناحية ولكن بنوع من 'الضعف' الفكري السياسي عند نقّادها أيضا.

- وامّا الرّغبة في حسم الأمور عبر التصفية غير الديمقراطية .

وفي الحالتين هنالك كارثة يمكن أن تحلّ في أيّ وقت : دفع البلاد الى تعويض الصراع الديمقراطي السّلمي - داخل مسار استكمال مسار الانتقال الديمقراطي المتعثّر الى الآن- بالاحتراب العنيف.و هذه الكارثة يمكن أن تحصل في أيّة لحظة بسبب الشحن السياسي الذي جرّبناه في الجهة المقابلة (عبر الشّحن الدّيني-السياسي ) و أنتج مناخا جعلنا نحمل النهضة المسؤولية السياسية والأخلاقية في اغتيالين سياسيين كبيرين في البلاد: اغتيال الزّعيمين شكري بلعيد و محمد البراهمي .

انّ البلاد قد تكون مقبلة على ظروف صعبة جدّا ( وقد أكّدت عملية بن قردان ذلك ) يصبح معها أيّ خطأ خطيئة . و عندها لن تكفي التفسيرات و التبريرات و لن ينفع لا الندم و لا النقد الذاتي و سيكون الجميع قد فتح الباب عريضا أمام داعش و أخواتها.

أختم بكلمة أوجّهها الى النهضة وأنصارها و الى نقّادها و خصومها على السّواء:

على الجميع تحمّل مسؤوليّته الآن قبل فوات الأوان.

–على النهضة وعندها فرصة المؤتمر العاشر- أن تعيد تقييم تجربتها جذريّا قبل 14 جانفي 2011 و أثناء حكم الترويكا و حكم الرباعي الحالي في اتجاه التخلّص من تجربة الاسلام السياسي التقليدي و الاعتراف بالأخطاء و الانحرافات التي تمّت اذا كانت فعلا تريد بناء مناخ ثقة ديقراطية معها.

-و على خصومها و معارضيها أن يفعلوا بالمثل – رغم اختلاف الأمر و المرجعيّات و الدّرجات- سواء من كان منهم في السلطة أو في المعارضة.

و لنتذكّر جميعا:

" انّ ما يبدو اليوم مجرّد اختلاف في وجهات النّظر قد يصبح غدا مسالة حياة أو موت ". ( لينين)

و… لا يجب أن يصبح كذلك .

هذا اذا كنّا فعلا نطمح الى تحقيق مجتمع ديمقراطي - رغم اختلاف مرجعيّاتنا- كما نقول كلّنا ظاهرا.

وهذا اذا كنّا نريد فعلا أن نواصل بناء الوطن و نعطي أملا للشّعب بالتقدّم في تحقيق أهدافه التي استشهد و جرح و سجن و نفي من أجلها خيرة ابنائه.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات