في كلّ مرّة تقع احتجاجات اجتماعية كبرى أو أخطاء سياسية أو ديبلوماسيّة كبرى أو عملية ارهابية كبرى ينسى العديد من السّياسيّين الانتخابات و نتائجها التي كانوا قبلوها و ينسون الدستور الذي قبلوا به و الانتقال الديمقراطي الذي قبلوه و الذي يريدون السّير فيه الى نهايته ديمقراطيّا و يعودون الى منطق 'المسار الثوري' و تصنيف 'قوى الثورة' و'قوى الثورة المضادّة' كلّ حسب هواه ويقع التشكيك في الشرعيّة السّياسية لكل من الرئاسة مرّة و الحكومة )أو قسم منها) مرّة ثانية و حتى في شرعيّة مجلس النوّاب مرّة ثالثة و يتمنّون لو يقلبوا الطّاولة على كلّ ما وقع منذ انتخابات المجلس التأسيسي في 2011 رغم قبول الجميع بالشرعية القانونية لما حصل. و ها هي الحرب مع 'داعش' تحلّ تقريبا و العقليّة هي نفسها لم تتغيّر كثيرا.
عندنا في تونس الآن:
أ- جماعة ندموا اليوم على انّهم لم يكونوا ثوريين بما فيه الكفاية عندما كانوا في السلطة ولم يمارسوا الى النهاية ' تحصين الثورة' و لكنهم لا يستطيعون فك الارتباط نهائيّا بحليفهم السابق الذي هو نفسه الآن في السلطة.
ب- و عندنا قسم من هذا 'الحليف' نفسه يفكّر بنفس الطّريقة ولكنّه صامت يمارس التّقيّة الآن داخل حزبه و داخل السّاحة السياسية عموما.
ت- و عندنا قسم آخر من جماعة ثالثة يحلمون باستكمال المسارالثوري بشكل كلاسيكي غير ديمقراطي لو استطاعوا وهم غير قادرين حتّى على تثوير أنفسهم ديمقراطيّا و في كلّ مرّة ينتكسون الى خطاب لا علاقة له بالديمقراطية تماما .
ث- وعندنا جماعة أخرى كانوا خدما عند بن علي و اليوم أصبحوا أكثر 'ثورية ' من كلّ الثوريّين في تاريخ البلد.
موقفي :
نعم للصّراع السياسي الديمقراطي داخل الاطار الوطني و السّلم الأهلي.
نعم للصّراع السّياسي الدّيمقراطي داخل مسار الانتقال الدّيمقراطي نفسه.
و نعم لنقد الأخطاء –بل و الخطايا- المذكورة سابقا و المتسبّبين فيها جميعا.
ولكن كلّ صراع سياسي يخرج - الآن خاصّة - ولو لفظيّا - شعاراتيّا عن اطار الصراع الديمقراطي في اطار الانتقال الديمقراطي السلمي الذي يجب أن تكون الانتخابات وسيلته الأساسيّة للتغيير هو صراع ' شبه -انقلابي' و ' شبه -ثورجي' و لن يؤدّي الا الى تخريب البلاد في ظل ضعف تامّ للقوى السّياسيّة و قرف جماهيري عام منها و في مناخ حرب مفتوحة لا أحد يعلم كيف ستتطوّر مع برابرة العصر و المنطقة و في ظلّ بعض مخططات دولية قد تكون كارثية على المنطقة بكاملها.
أعتقد انّ البعض من النخبة الاعلاميّة و السياسية التونسية كارثي و لا يختلف في شيء مع الأسف عن مجانين فايسبوك و مجانين المساجد و مجانين المقاهي و الخمّارات.
انّ أيّ توتير للساحة السّياسية سوف يجعل هؤلاء ، بقطع النّظر عن النّوايا ، خدما 'دون قصد' لما تهدف اليه داعش.
و انّ أكثرهؤلاء ثورية سوف يكون عاجزا حتى عن القاء خطاب في الجماهير الهائجة – كما حصل جزئيّا في الماضي - ضدّ الجميع وقتها ممّا قد يؤدّي الى الفوضى العارمة وليس الى استكمال الثّورة التي بمعناها القديم تحلمون .
ثم هل تعتقدون ان الشعب معكم فعلا و انه بإمكانكم اقناعه الآن بضرورة قلب الطاولة على كلّ المسار الذي تحقّق و على أكبر حزبين متحالفين في البلد تسندهما كل القوى العظمى في العالم تقريبا؟
يا هؤلاء و أولئك :
يكاد عموم الناس الآن عند سماعكم تذهبون الى الجهة القصوى المعاكسة أن يحمدوا الله و التاريخ ان الشيخين اتفقا و جنّبا البلاد النتائج غير المضمونة للاستقطاب الثّنائي ' السّابق' مهما كانت سلبيّات هذا الاتفاق بينهما .
ان أزمة البلاد الأمنية و الاقتصادية و الاجتماعية و تخبّط النخبة السّياسيّة يجعلان عموم النّاس يكرهون السياسة اصلا و قد يجعل لما تفعلونه نتائج معاكسة تماما لما تريدون و سيجعل من الشّيخين أيقونتين 'للوحدة الوطنية ' و'للسّلم الأهلي' و 'الدّيمقراطيّة'.
ولا بدّ من تجديد كامل للخطط السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية والثقافية في تونس اليوم ضمن روحيّة و طنيّة و ديمقراطيّة جديدة و إلا فنحن سائرون نحو الجمود أو الخراب.
هذه هي الآن احداثيّاتي السّياسيّة الوطنيّة الخاصّة و التي لا تلزم أحدا.
من قبل بي هكذا فمرحبا و من رفض فأرض الله واسعة .