شروع في اللبننة : استسهال الاطاحة بالحكومات وابتذال الوصول للحكم

Photo

في بلد كاد يسلم فيه فيه اباؤنا ان الاستعمار قضاء وقدر لا مناص منه ، وظن فيه الشعب فيما بعد ان بورقيبة ( المحرر ) لن يموت او على الاقل انه له الحكم مدى الحياة .

وحين اتى بن علي سلمنا ان لعصابته الدوام والثبات حتا ان خلافته من قبل ليلى الطرابلسي اصبحت امرا واقعا لا يستبعد المزاج العام احتمال وقوعه انذاك .

في هذا البلد كان الحكم ملكيا للرؤساء الى ان قرر صاحب البرويطة وضع حد لموروث الحكم والحاكمية.

هي الفرصة الابرز في تاريخ تونس المعاصر لتعديل اسلوب الحكم والتخلص من استدامة امراض مزمنة ، فضلا عن امكانية تحقق حلم ومطلب ناضلت من اجله اجيال بتحقيق انتقال ديمقراطي .

فهل استوعبت النخبة السياسية الدرس وسارت نحو ترشيد الحكم ام غلبها قصورها واستحوذت عليها عقدها فعمدت الى العبث باسلوب الحكم ؟

هذا السؤال مرده ما نحن عليه اليوم من جدل حول تشكيل حكومة الوحدة الوطنية ،

ومعلوم اننا خلال السنوات الخمسة الاخيرة اكلنا سبعة حكومات على الاقل ،

اننا في هذا المقام لا نود التطرق لتبعات ونتائج ومضامين الجدل الجاري الان حول دفن حكومة الصيد الثانية ،

ولكننا نتساءل حول النتائج العميقة لكثرة تعاقب الحكومات واستسهال الاطاحة بها، كما ان الحكم والمشاركة فيه اصبح امرا متاحا لكل من هب ودب بغض النظر عن الاليات التي يضبطها نظام الحكم ومرجعيات الدستور وبغض النظر عن نتائج الانتخابات وموازين القوى الحقيقية ،

صحيح ان مسار الانتقال الديمقراطي يحتمل هامشا من الظرفية وعناوين المؤقت ويحتمل تداولا سريعا ومشاركة موسعة ، ربما بما يشبه التجريب والتدريب على نظام جديد للحكم ، ولكن هذه المرونة الحتمية لا يمكنها ان تبلغ درجة من شانها ان تهدد استقرار النظام السياسي نفسه وتفتح الباب لصراعات قد نعرف بداياته ولا ندرك نهايته ،

اننا على يقين ان فتح ابواب ونوافذ وحفر الصراع على الحكم بهذا الشكل المضطرب من شانه ان يقود الى المجهول .

لا احد بامكانه اليوم ان يسقي شجرة التوافق والحوار ليغطي بها غابة التهديدات المترتبة عن الصراعات التافهة بين شراذم الحزب الحاكم والتي تبلغ الى غاية التناقض المطلق ، في غياب اي بناء مؤسساتي للحزب الحاكم بما يضمن الحد الادنى من التعبير الحقيقي عن وجود حزب حاكم يغطي عورات الاطماع المتزايدة بغايات واساليب ما تحت سياسية وما دون الوطنية ، وفي غياب فرامل القيادة وازرار صفارات الانذار .

ان اللعبة السياسية القائمة على التأهيل لمعارك تليق بطبيعة الدولة الضامنة لوحدة المجتمع و المنظمة لحركة مرور الطامحين في العبور الى القصر ، اصبحت ´ لعبة فلالس ´ ومن يلعب مع الفلاليس ينقره الدجاج . والذي زاد الطين بلة ان هذا الدجاج ' دجاج ماكينة ' بالكاد يقف على ساقيه . ولا لون له ورائحته نتنة ٠ اما الفلاليس فلا يتبعهم إلا الافلاس وقد صار طعامه وراء البحار٠

كيف لنظام سياسي بصدد التاسيس ان يحافظ على وجود الدولة في ظل حزب حاكم لا يرتقي الى مستوى الحزب متشرذم الى شظايا لا حصر لها وقد الفت قياداته الحاكمة التناحر المتواصل ،

لا احد بامكانه اليوم ان يغمس رأسه في التراب تجاه ما يمس السيادة الوطنية من اختراق اجنبي وخضوع لأجندات اقليمية في ظل تضارب مصالح الفاعلين السياسيين وتنامي اطماعهم في الحكم ،في غياب قانون منظم للعبة السياسية يحسم استحقاق الحاكمين ، وهذا مرتبط بتعمد تهميش استحقاقات الحاصل الانتخابي وعدم احترام النظام المستند للدستور ،

اننا في مسار الانتقال الديمقراطي ينبغي ان نتدرب على نظام المؤسسات والديمقراطية والتداول المشروع ، ولا يتضمن الانتقال التدرب على خرق الدستور والمكيدة والطمع في الحكم بدون استحقاق شعبي ، ان تواتر الاطاحة بالحكومات التي دفعت في البداية بالرضى بالمبزع والغنوشي ، ( هروبا من الفوضى وحفاظا على استمرارية الدولة ( ·

ولم يقو اعتصام القصبة 2 عمليا إلا على فتح الممر للسبسي ومن ورائه رغم ان هذا الاعتصام نابع من رحم الثورة ، وهو بالأساس تحرك ثوري لتعديل وتصحيح مسار الحكم ووضعه على سكة الاستحقاق الثوري . ولكن نتائجه انحصرت في استقدام السبسي ( من الارشيف ) من قبل اطراف خفية مسكت بزمام كواليس الحكم بعد هروب بن علي . وهكذا تم التمهيد للإفلات من المحاسبة و لمنازلة النهضة باعتبارها في نظر النخب المعترف بها سطاشد خطرا على البلاد وعلى الحكم من منظومة بن علي الاستبدادية.

لم تكن فترة التأسيسي بقيادة الترويكا شروعا في تجسيم نظام حكم ديمقراطي يرث منظومة الاستبداد نظرا لطبيعتها المؤقتة من ناحية ونظرا لتأجج الصراع على الحكم التي تم خلالها استحظار الروح الانقلابية والتخوين والتخويف مما استوجب تشليك الحاكمين ومن خلالهم مؤسسات الحكم على غرار حملة التشويه الممنهجة للرئيس او اقحام الامنيين في تمرد " ديقاج " ضد القائد الاعلى للقوات المسلحة ٠ ان هيبة الدولة ومناعة اجهزة الحكم تمت تهرئتها ، بل تم التأسيس المعلن للأسلوب غير الديمقراطي بعنوان حماية الديمقراطية كما تم استباحة ادوات خطيرة للاطاحة بالحكومات وبشعارات التوافق والحوار او / وباستغلال هوامش حرية التعبير التي وسعت اسقف التآمر ( المشروع ) بلمسات تقنية توظف الاموال وتكنولوجيا الاتصال بائعي الذمم لترتيب الاولويات وتحويل وجهة الرأي العام و اقصاء من لا مخالب له.

ومن ثمة تم التأسيس لمنهج جديد يمكن من القفز الحر للقصبة وقرطاج يقوم على استدامة التهريج الاعلامي الممنهج المزركش بخطر العنف والإرهاب ، المتكئ على راس مال فاسد ولم يزل الانتفاع به تمهيدا لنفير الانقاذ الذي يعيد بعثرة الاوراق من جديد ٠

لقد افتتحت منظومة الانقاذ مهرجانها بإنقاذ البلاد من ( خلافة ) النهضة ( الظلامية ، المهددة للحداثة والمتربصة بالنمط ).

نجحت منظومة ( الانقاذ ) في القفز الديمقراطي الى سدة الحكم بتظافر جهود ( التقدميين والحداثيين ) وحراس معبد الصنم الغارقين في القدم والمتمرسين في التصويت الناجع ( vote utile ).

لقد كان العبور الى قرطاج عبر ابتكار اسلوب جديد للوصول الى الحكم ظن مهندسوه ان استخدامه الاستثنائي فرضته ضرورة استبعاد الاسلاميين من الحكم الفعلي ولكنة ابطال المشهد الجديد اكتشفوا انهم بلا عدو هذه المرة كما اكتشفوا انهم يحكمون انهم بلا حزب حاكم بعد ولا حتى مليشيا وبلا ادنى انسجام بين الطامعين في التموقع المتقدم ، فكان التشرذم والتشتت والتشظي والتشقق بين جماعة الانقاذ ٠ بل الاطماع المتناقضة اصبحت مشروعة وحلم الحكم اصبح مستباحا وساد الاعتقاد انه يمكن الظفر بالحكم او بجزء منه دون وجود حزب حقيقي او جبهة او حتى مليشيات ،،

بل يكفي المناورة مع بعض رجال الاعمال وفتح باب الخدمات للخارج الذي اصبح معنيا بالجزئيات ويكفي استعمال الاعلام وهندسة الولاءات لرسم حسابات يظنون انها كفيلة بالمراهنة على نصيب من كعكة القصر ، وفي المقابل زادت الاطماع عند من " يحكم " في استدامة العرش العر.

اليوم في تونس ليس ثمة اسهل من الاطاحة بالحكومات وليس ثمة اسهل من العمل على الظفر بحقيبة وزارية .

ان الخطر الحقيقي يكمن في كوننا نؤسس لصراعات مستقبلية مافيولوزية قد تعصف بمستقبل اجيال وقد تزج بنا في محرقة العنف خاصة انه ؤ ليس ثمة ما يضمن الهروب من الافلاس الاقتصادي ، وان حصل فلا مفر من هروب الرؤساء مجتمعين .


محمد يوسف:كاتب وناشط

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات