الحبيب الصيد وظل السبسي

Photo

يستعد البرلمان التونسي لعقد جلسة عامة مخصصة للاستماع لرئيس الحكومة الحبيب الصيد حول عمل حكومته وأدائها خلال فترة السنة ونصف السنة التي قضّتها في الحكم منذ يناير 2015. وهي جلسة بروتوكولية الغاية منها التقدّم في تنفيذ مبادرة تشكيل حكومة الوحدة الوطنية التي كان قد دعا إليها رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي يوم 3 يونيو 2016 الماضي.

اقتضت خطة تنفيذ المبادرة جملة من المراحل، بدأت بالتشاور مع المنظمات الوطنية والأحزاب المشاركة في الائتلاف الرباعي الحاكم والقريبة منه والداعمة له والأحزاب المعارضة. وقد تمّ استبعاد الرئيس السابق المنصف المرزوقي وحزبه من هذه المشاورات. ولم تتمّ دعوة المنظمات الوطنية الأربع التي شاركت في الحوار الوطني سنة 2013، والتي تحصلت بذلك على جائزة نوبل للسلام، بل تمّ الاكتفاء بالاتحاد العام التونسي للشغل واتحاد الصناعة والتجارة دون الهيئة الوطنية للمحامين والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان.

وهو ما يعني أنّ الهاجس من وراء هذه المبادرة ليس حقوقيا ولا متعلقا بالحريات، وإنما هو هاجس اقتصادي اجتماعي. وفي ذلك إقرار كشف عنه السبسي معتبرا أنّ دستور تونس يكفل الحقوق والحريات والدولة تضمنها وهو يرعاها، مع ما في هذا التقييم من تفاؤل بعيد عن الواقع بحكم استمرار النزوع الاستبدادي العنفي الأمني في الصعود، وبسبب الانتهاك اليومي لحقوق التونسيين من الحقّ في الحياة الكريمة للمفقرين والمعطلين عن العمل، إلى الحقّ في الرعاية والأمان والدراسة لأطفال الشوارع.

بل إنّ رئيس الجمهورية لا يتوقف عن التلميح إلى أنّ هناك إفراطا في الحريات مقابل انحسار التنمية وتراجعها. ولقد أجرى السبسي مبادرته لتشكيل حكومة وحدة وطنية دون استشارة رئيس الحكومة ودون إعلامه، مما يعني ضمنيا أنّ قرار إبعاده كان قد اتخذ من قبل رئيس الجمهورية والرئيس الشرفي لحركة نداء تونس، وهو الحزب الذي رشّح الصيد لرئاسة الحكومة بعد فوزه بالأغلبية في الانتخابات التشريعية لسنة 2014.

ولا بد من العودة إلى هوامش اختيار الحبيب الصيد لرئاسة حكومة الائتلاف الرباعي برئاسة حزب نداء تونس. فلقد نوّهنا في أكثر من مقال هذا إلى أنّ الائتلاف الرباعي بدأ حكمه باقتراف خطأ فادح في شخص رئيس الحكومة. فهو غير متحزّب وسيقود حكومة ائتلاف حزبي. وهو غير مسنود من أي حزب من أحزاب الائتلاف الرباعي، ما سيجعله ضعيفا مكشوف الظهر. وهو يقود فريقا لا تجمعه به علاقات حزبية، ولهذا الفريق ارتباطاته وولاءاته وحساباته الحزبية التي ليست لرئيس الحكومة علاقة بها بالضرورة.

فالرجل تعامل كأنّه رئيس إدارة تنتهي عـلاقته بمنظوريه عند مغادرة مقرّ العمل. هذا الوضع جعل موقف رئيس الحكومة ضعيفا جدا متى رفعت أحزاب الائتلاف دعمها عنه. وهو ما كشف عنه بنفسه في حوار تلفزيوني مؤخرا، إذ بلغ أمر استصغاره واستضعافه حدّ تهديده وتوعّده إن لم يقدّم استقالته.

الخطأ الأكبر في اختيار شخص الحبيب الصيد لرئاسة حكومة الائتلاف الرباعي في تونس أنّه لم يشارك في الانتخابات بأي صورة كانت. ومعلوم أن الانتخابات آلية مجعولة لانتخاب الحاكم ومدّه بالشرعية الدستورية والقانونية لذلك. فلم تكن له مسؤولية في الدولة ولا في أي حزب سياسي من أحزاب الائتلاف الرباعي، ولم يساهم في إعداد البرامج الانتخابية. ولم يشارك في الحملات الانتخابية، وإنما جاءته رئاسة الحكومة “تجرّ أذيالها” ثمّ تمّ تطليقها منه دون إرادته.

ولكن الصيد في الحقيقة حصد كسبا لم يتعب عليه ولم يشارك في الفوز به. وهو ما يجعله في موقع سلبي لمن نال شيئا لا يستحقّه. ولهذا كان موقف الرجل مهزوزا، باستمرار، بسبب افتقاره لأي شرعية تسنده وتبرر استحواذه على حكم تونس. ولذلك لم يتمكن من ملء مكانه رغم أنه حاول الظهور في أكثر من مرّة بمظهر الحاسم وصاحب الكلمة الفصل، لا سيما عندما تعلق الأمر بإقالة وزير العدل محمد صالح بن عيسى وخلال التحوير الوزاري الجزئي الذي أجراه على حكومته وعند إقالة الرئيس المدير العام لمؤسسة التلفزة الوطنية.

وعن الافتقار للشرعية الانتخابية انجرّت أخطاء إجرائية كثيرة تعلقت بترؤس الصيد للجهاز التنفيذي للدولة. أولها كان جهله بأبسط أبجديات الحكم إثر الانتخابات والمتمثلة في أنّ الحزب الذي يفوز بالانتخابات يتولى زعيمه رئاسة الحكومة ويلتزم بتنفيذ برنامجه الذي انتخبه الشعب على أساسه.

وخلافا لهذا العرف الديمقراطي السائد في الأنظمة الديمقراطية لم يتولّ زعيم نداء تونس رئاسة الحكومة لأنه ترشح لرئاسة الجمهورية وفاز بها ونعني الرئيس السبسي. ولم يتولّ رئيس الحكومة الذي اختاره السبسي وحزبه الفائز تنفيذ البرنامج الانتخابي للحزب بقطع النظر عن إيمان جماعة نداء تونس دون استثناء بأنّ الأغبياء وحدهم من يصدقون الشعارات الانتخابية.

ولرمزية السبسي باعتبارين؛ الأوّل أنه رئيس الحزب الفائز في الانتخابات التشريعية، والثاني أنه منتخب مباشرة من قبل المواطنين رئيسا للجمهورية، ظلّت كل الأوراق بين يديه بما فيها أوراق التحكم في الأحزاب الأربعة المؤتلفة في البرلمان وفي الحكومة. وبقي السبسي متمسكا بكل دواليب الحكم في تونس بما في ذلك البرلمان، باعتبار أن رئيس البرلمان هو أحد رجاله وأن الكتلة القوية فيه إلى جانب كتلة حزبه هي كتلة حليفة له بشدّة.

وحتى كتلة الحرّة التي انشقت عن نداء تونس، والتي تتبع حزب مشروع تونس الذي يقوده محسن مرزوق، فهي قد تختلف مع كتلة النداء الأم وقد يقف البعض من المواقف ضدّ الحكومة ولكنها تدين بالولاء الكامل للرئيس السبسي. ولا يمكن أن يخرج مرزوق ونوابه عن بيت الطاعة.

الخلاصة أنّ الحبيب الصيد قَبلَ أن يكون في ظل السبسي غير الوارف فاحترق. إنّه ضحية نفسه إذ وضعها في موقع ضعيف في سياق حكم ائتلاف حزبي أفرزته انتخابات لا دور له فيها. وهو ضحية الائتلاف الرباعي الحاكم الذي وجد نفسه في مأزق حقيقي بعد ضغط الآجال الدستورية لتشكيل الحكومة، وهو مأزق يتمثل في إيجاد شخص يرشحه نداء تونس الحزب الفائز ويحظى بموافقة حركة النهضة القوة الانتخابية الثانية في البرلمان والتي يراهن عليها السبسي لإنجاح حكمه.

وكان اختيار الصيد بالصدفة كما كشف قياديون في نداء تونس إذ تذكروه لما وقف أمامهم مرشحا لوزارة الداخلية وهي الحقيبة التي تسلمها إبان حكومة السبسي الانتقالية سن 2011، فقال جماعة “الحبيب الصيد رئيسا للحكومة لِم لا”، صحيح أن البعض ممن جاءت بهم الصدفة قد غيروا التاريخ لكن الحبيب الصيد عصفت به المافيات الحزبية والسياسية والاقتصادية والجبائية التي تبتلع تونس بمباركة الائتلاف الرباعي.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات