طريق تونس محفوفة بمخاطر كثيرة أغلبها تعقّد إلى درجة صار التفاؤل بشأنه عزيزا، وعلى رأس هذه المخاطر ظاهرة الفساد التي تجاوز الاعتراف بها الرأي العام والمعارضة والإعلام إلى الجهات الرسمية؛ فلقد أقرت حكومة الحبيب الصيد المقالة بحجم الفساد الكبير الذي طال مفاصل الإدارة والدولة. الاعتراف نفسه نجده يصدر عن وزير الوظيفة العمومية والحوكمة في الحكومة الجديدة عبيد البريكي.
لكن المشكلة لم تعد في الإقرار بوجود الفساد فهذا أمر معلوم لم يعد خافيا، إنما هي في أشكال التعامل والإستراتيجيات الكفيلة بالتصدي له والقضاء عليه. هذا ما ينتظره التونسيون ولم يجدوا إلى حد الآن ما يطمئنهم بشأنه. فالوزراء الذين يوصّفون الفساد لم ينتبهوا إلى أن ما يتحدثون عنه يقيم معهم وحولهم وقريبا منهم في كل وزارة ومنشأة عمومية.
الفساد يلتهم أكثر من 5 بالمئة من الناتج المحلي الخام. وهو ما يعطل النمو الاقتصادي ويفسد المجتمع بالسلوكات الانحرافية كالفشل الأسري والانقطاع المدرسي والدعارة والرشوة والمحسوبية والمحاباة والسرقة. وهذا يتسبب في إهدار المال العام وفي تعميم الفقر وتآكل الطبقة الوسطى وتوسع درجة التفاوت الطبقي. ويقضي على كل أمل في تحقيق أهداف الثورة. ويدفع الدولة إلى الالتجاء إلى التداين لسدّ حاجياتها المالية.
وفي الوقت الذي مازالت فيه الحكومة الجديدة تتحسس دربها تتفجّر الاحتجاجات العنيفة في بنقردان على خط النار مع ليبيا. وبقطع النظر عن الجهات السياسية التي تقف وراء هذه الأحداث وأجنداتها فإنه مما لا شك فيه أن بنقردان ستظل منطقة أزمة منفلتة عن كل سيطرة وخارج التوقعات، طالما استمر عجز الدولة عن معالجة أزمتها الهيكلية المتمثلة في التخلي عنها لمصيرها المتمثل في اضطرارها للجوء إلى التهريب والتجارة الموازية خارج أطر القانون والسلامة والأمن في ظل تعثر مشروع بعث المنطقة الحرة بالجهة.
وبالتزامن مع أحداث بنقردان يتعطل إنتاج الفسفاط كليا في مثلث الحوض المنجمي. وتستمر دوامة مناظرات التشغيل المتناسلة التي تغضب أكثر مما ترضي، وتستنزف الشركة دون الوصول إلى حلول جريئة تعطي الجهة حقها في ثروتها وتمتعها بالتمييز الإيجابي. بينما يستمر الفشل الدرامي للدولة في إنجاز أكداس المشاريع المتراكمة التي لم تر النور.
ومن الصعوبات التي تواجهها حكومة يوسف الشاهد تصاعد الاحتجاجات ضدّ قرار إيقاف التوظيف في الوظيفة العمومية. وهو قرار اتخذته حكومة الحبيب الصيد المقالة تنفيذا لإملاءات صندوق النقد الدولي. وقد تم اتخاذ القرار في ديسمبر 2015 أثناء مناقشة قانون المالية لسنة 2016. ويقضي القانون بإيقاف التوظيف في القطاعات العمومية عدا الأمن والجيش إلى حدود شهر مارس 2017، وصادقت عليه الأغلبية في مجلس النواب. ولعل حكومة الشاهد تجد نفسها مجبرة على التراجع عن هذا القرار.
ومن صعوبات تونس أزمة إهدار الثروة المائيّة، والعجز عن إنجاز المشاريع الكبرى للتخزين والاستغلال والتثمين، وضعف التغطية بالشبكة المائية لا سيما في المناطق التي تتوفر على ثروة مائية مثل جهات الشمال والشمال الغربي. أزمة المياه خلقت جدلا حادا في تونس خلال فصل الصيف المنقضي، وطرحت تساؤلات حارقة عن أسباب الأزمة لا سيما في الجهات التي تتوفر على الثروة المائية مثل بنزرت وباجة وجندوبة والكاف وسليانة. وبرزت تحليلات ترجّح افتعال النظام الحاكم في تونس لأزمة المياه تمهيدا لخصخصة الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه استجابة لأوامر صندوق النقد الدولي.
ومن الصعوبات التي أثّرت في المشهد التونسي كثيرا تلك المتعلقة بتهرّؤ البنية التحتية لا سيما المتعلقة بالطرقات والجسور والقناطر والمسالك الفلاحية والريفية. فالملاحظ هو استمرار غياب إستراتيجية أمنية وإستراتيجية سلامة على شبكة الطرقات. وهو ما صار يتسبب في حوادث مريعة تخلف خسائر بشرية فظيعة وخسائر مادية فادحة مثل الحادث الأخير الذي وقع في منطقة خمودة في جهة القصرين المفقرة بين شاحنة لنقل الاسمنت وحافلة ركاب في سوق أسبوعية والذي خلف 18 قتيلا والعشرات من الجرحى.
كما تجد حكومة الشاهد نفسها أمام أزمة الصناديق الاجتماعية التي تزداد تعمقا. وهذا ما يثبته ما يتداول من أخبار بحث الدولة لدى الشركات الوطنية على غرار الشركة التونسية للكهرباء والغاز والشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه وشركة اتصالات تونس عمّن يموّل جرايات المتقاعدين لشهر أكتوبر المقبل. ولكن هذه الشركات نفسها تعاني صعوبات جمّة، إذ طالها الفساد وسوء الإدارة والصفقات المشبوهة كغيرها من القطاعات.
ومن الصعوبات التي تواجه حكومة الشاهد ما تعلق بضبابية الرؤية حول مصادر تمويل الميزانية التكميلية لسنة 2016 المقدرة بثلاثة آلاف مليار دينار (حوالي 1.4 مليار دولار). فالدين العمومي تجاوز 55 بالمئة. وحكومة الصيد اقترضت حوالي 15 ألف مليار دينار (7 آلاف مليار دولار) من دون أن تحقق شيئا من التنمية، ومن دون مكاشفة حول مصير الأموال التي تم اقتراضها.
على المستوى السياسي تقف منظومة الحكم في تونس أمام معضلة فهم موقف الاتحاد العام التونسي للشغل المتردد في مسألة دعم حكومة الشاهد؛ فرغم أن المركزية النقابية أمضت على اتفاق قرطاج وشاركت في مشاورات تشكيل الحكومة ودعمتها بنقابيين اثنين متقاعدين، نجد جل النقابات المنضوية تحت الاتحاد تقف في المواقع نفسها التي كانت تقف فيها من قبل بما ينذر بصعوبات جمة في المستقبل لا سيما في قطاعات الصحة والتعليم.
على محور اتفاق قرطاج نفسه لم تصدر عن الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، أو ما يعرف بمنظمة الأعراف، أيّ إشارة إلى كون رأس المال التونسي غيّر من نسق نشاطه وضاعف من جهوده الاستثمارية لتحقيق التنمية المطلوبة. ورغم أن منظمة الأعراف كانت إلى جانب اتحاد الشغل واتحاد الفلاحين مساندة لمبادرة الرئيس الباجي قائد السبسي وأمضت على اتفاق قرطاج وشاركت في مشاورات تشكيل الحكومة، فإن رأس المال التونسي لا زال على جبنه وانكماشه.
على الجانب الأمني لم تخفّ وتيرة التهديدات الإرهابية لتونس، وآخرها ما نبه إليه وزير الدفاع الفرنسي، جان إيف لو دريان، من خطر تسرّب تنظيم داعش إلى تونس جرّاء القصف والملاحقة في سرت وبنغازي في ليبيا. التحذير نفسه أصدره الاتحاد العام التونسي للشغل. وفي المقابل لم تكشف الدولة عن إستراتيجياتها لحماية تونس من هذا الخطر الوشيك.