حزب النداء: أزمة تونس ومسؤولية السبسي

Photo

من المفارقات التي تقصم ظهر تونس اليوم أن يكون حزب نداء تونس، صاحب الأغلبية الذي شكل ثلاث حكومات بعد انتخابات العام 2014 والذي ينتمي إليه رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب، بلا مقرات وبلا منخرطين وبلا مؤسسات ولا هياكل ولا قيادات منتخبة معلومة لدى الرأي العام.

بل إن هذا الحزب يحكم تونس ويتولى مسؤولية التعيينات في مختلف القطاعات والوزارات والإدارات مركزيا وجهويا بما فيها من حساسية ومسؤولية وخطورة وهو على ما هو من انقسام وعطالة وصراعات ومشاحنات داخلية. ويرسم السياسات الدفاعية والأمنية والخارجية لتونس ويعد المخططات التنموية.

فالجميع يقرون اليوم بأن الأزمة التي تتخبّط فيها تونس مأتاها ومرجعها إلى حزب نداء تونس الذي منحه الشعب التونسي ثقته في الانتخابات التشريعية والرئاسية سنة 2014، ولكن مباشرة بعد الفوز الانتخابي ومنذ إعلان الرئيس الباجي قائد السبسي نيته التحالف مع حركة النهضة وبداية تشكيل الحكومة بدأت معالم الانقسامات والانشقاقات تعصف بالحزب الفائز. ولم يتوقف هذا الانحدار رغم تدخل رئيس الجمهورية وعقد المؤتمر الأول للحزب والذي وصف بكونه مؤتمرا توافقيا في يناير 2016.

لم ينجح المؤتمر طبعا، وانتهى إلى تكريس انقسام نداء تونس إلى حزبين وانقسام الكتلة البرلمانية إلى كتلتين. وظهرت قيادتان للشقين؛ حافظ قائد السبسي نجل الرئيس مع رضا بلحاج الرجل القوي للسبسي الأب والمدير التنفيذي الأسبق للحزب ومدير الديوان الرئاسي في قيادة نداء تونس من ناحية، وبالنسبة إلى الشق المنشق عن نداء تونس أطلق عليه اسم حركة مشروع تونس ويقوده محسن مرزوق مهندس الحملتين الانتخابيتين التشريعية والرئاسية لنداء تونس والوزير المستشار في ديوان رئيس الجمهورية والموقّع باسم تونس على بروتوكول التعاون العسكري بين تونس والولايات المتحدة الأميركية في واشنطن في يونيو 2015 من ناحية ثانية.

الفشل الكبير الذي آل إليه المؤتمر التوافقي لنداء تونس يشكل الخيبة الكبرى التي مني بها الباجي قائد السبسي منذ عودته إلى الساحة السياسية في مارس 2011، حيث لم يجد بين قيادات حزبه ومناضليه ما كان يتوقعه من تقدير لمكانته ورمزيته ومن عرفان لشخصه باعتباره المؤسس للحزب والجامع لمن فيه. ولم ينجح في وقاية حزبه من الانقسام.

ولكن السبسي لم يخرج خالي الوفاض من ذلك المؤتمر فلقد كانت له مغانمه، إذ نجح في دفع اسم مجهول إلى صدارة المشهد السياسي في النداء وفي تونس وهو اسم يوسف الشاهد كاتب الدولة للصيد البحري في حكومة الحبيب الصيد الذي لم يكن معروفا لدى التونسيين، إذ عينه على رأس لجنة إعداد المؤتمر. ومنذ ذلك الحين، تواتر حضوره في وسائل الإعلام. لقد فشل السبسي في إنقاذ حزبه من الانقسام، ولكنه نجح في تهيئة الرجل الذي يعده لمرحلة ما بعد الحبيب الصيد.

غير أن الواقع التراجيدي لهذا الحزب لم يتوقف عند مآل مؤتمر التوافق في سوسة في يناير 2015 إذ صارت حركة مشروع تونس واقعا وأنجزت مؤتمرها وأصبحت لها كتلتها البرلمانية المستقلة عن كتلة نداء تونس.

بل المشكلة اليوم هي في الجزء المتبقي في نداء تونس الذي لم تتوقف صراعاته وخلافاته إذ انقسم اليوم إلى ثلاثة شقوق؛ شق حافظ قائد السبسي وشق رضا بلحاج وشق ثالث لغير المنتمين إلى أي من الشقين المذكورين.

فلقد انفضّ التحالف الذي كان قائما بين حافظ قائد السبسي نجل الرئيس والمدير التنفيذي للحزب وبين رضا بلحاج الذي تخلى عنه السبسي الأب وغادر الديوان الرئاسي وجرد من امتيازاته. وكان بلحاج الداعم القوي للسبسي الابن كما كان الذراع القوية للسبسي الأب.

وتحول التحالف بين الرجلين إلى عداء داخل ما تبقى من نداء تونس. وكلاهما يدعي قيادة الهيئة السياسية. حافظ قائد السبسي ضَمن ولاء أعضاء النداء في حكومة يوسف الشاهد باعتبار سلطته الحزبية عليهم. ورضا بلحاج ضمّ حوله مجموعة أخرى من أعضاء الهيئة السياسية الصادرة عن مؤتمر سوسة.

وفي الوقت الذي شكلت مجموعة رضا بلحاج هيئة وطنية لإنقاذ نداء تونس من أول أهدافها إزاحة السبسي الابن باعتباره المعرقل لعمل الحزب في نظرهم، دعا حافظ قائد السبسي إلى عقد هيئة سياسية حضرها أعضاء النداء في الحكومة، وهم في غمرة مناقشة الميزانية وقانون المالية لسنة 2017 بلا حول ولا قدرة على التأثير في الواقع الكارثي لحزبهم.

هيئة الإنقاذ التي شكلها شق رضا بلحاج توجه رسالة إلى رئيس الجمهورية والرئيس الشرفي للنداء تطالبه بالاقتناع بهيئتها ويطالب فيها رئيس الهيئة المكلف النائب منصف السلامي بمقابلة رئيس الجمهورية الذي عبر في مقابلة تلفزيونية أخيرة عن فتور كبير يقرب من السخرية تجاه هذه المبادرة.

ولكن ما يجب قوله أن الباجي قائد السبسي لم يتحمل مسؤوليته كاملة تجاه الحزب الذي أسسه وتقدم عبره لنيل ثقة التونسيين ونالها. نعتقد أنه على الرئيس السبسي الذي يردد باستمرار حرصه على مصلحة تونس أن يصارح التونسيين بموقف واضح من حزب نداء تونس.

لقد قال السبسي في المقابلة التلفزيونية المطولة إن الندائيين يتصارعون من أجل مصالح ذاتية، ولكنه يقف عند هذا الجزء من التقييم، إذ كان عليه أن يتحلى بالصدق والشجاعة ليعلن أن هذا الحزب صار يشكل عبئا ثقيلا على تونس لم تعد قادرة على حمله. فهذا الحزب لم يكن على قدر الثقة التي منحها إياه التونسيون.

على الرئيس أن يقي التونسيين من هذا المسلسل الانشقاقي العبثي الذي لم يتوقف والمفروض عليهم فرضا. على الرئيس أن يقول إن الحزب الذي بلا مؤسسات ولا إدارة ولا منخرطين ولا مقرات نشيطة لا يمكنه أن يحكم دولة، ولا يمكنه أن يشكل حكومة أو يدعمها.

للرئيس التونسي الباجي قائد السبسي مسؤوليات تاريخية وأخلاقية تجاه الشعب الذي منحه ثقته.

ولا بدّ لحزب نداء تونس من أن يتحمل مسؤولية ما تسبب فيه من اضطرابات، ومن أزمة لتونس، ومن تعطيل لمسيرتها نحو الاستقرار والتقدّم.

أولويّات تونس هي التنمية والعدالة والتشغيل والأمن، وهي أولويات عاجلة لا تقبل الانتظار حتى ينتهي مسلسل الانشقاقات العبثية في الحزب صاحب الأغلبية الذي يحكم.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات