مشروع قانون مجلّة الجماعات المحليّة يستهتر بالديمقراطيّة التشاركيّة..!؟

Photo

من المعروف أنّ التشريع للقوانين له نواميسه ولغته وأسلوبه وطريقته في البسط والعرض، وهو شأن اختصّ به أهل القانون والمشرّعون في السلطة التشريعيّة. والمعروف أيضا أنّ القانون يُبنى على التعريفات وتحديد الماهيات التي تتأسّس على الموادّ القانونيّة من كتب وأبواب وفصول وأقسام وتفريعات. ودستور جانفي 2014 انبنى على التعريفات وتحديد المفاهيم العامّة للسلط والحقوق والواجبات وغيرها.

وقد جاء قانون مجلّة الجماعات المحليّة تنفيذا متأخّرا لما نصّ عليه الفصل 139 من الباب السابع من الدستور التونسي؛ باب السلطة المحليّة: »تعتمد الجماعات المحليّة آليّات الديمقراطيّة التشاركيّة ومبادئ الحوكمة المفتوحة لضمان إسهام أوسع للمواطنين والمجتمع المدني في إعداد برامج التنمية والتهيئة الترابيّة ومتابعة تنفيذها طبقا لما يضبطه القانون. « ولكن ما هي الديمقراطيّة التشاركيّة؟

ولكنّ اللافت في مشروع قانون مجلّة الجماعات المحليّة الذي أنهت لجنة التشريع العام النظر فيه وفتحت باب التعديلات فيه ليحال قريبا إلى الجلسة العامّة لمناقشته والتصويت عليه، اللافت في هذا القانون أنّ جوهره ينبني على قيمة الديمقراطيّة التشاركيّة. ولكنّ الغريب أنّ مشروع القانون خال تماما من أيّ تعريف للديمقراطيّة التشاركيّة! ما معنى الديمقراطيّة التشاركيّة؟ تشاركيّة بين مَن ومَن؟ ما هي حدودها؟ ما دور كلّ طرف؟ ما هي حقوق كلّ طرف وواجباته تجاه شريكه؟ ما هي أوجه المشاركة والمتابعة والمحاسبة؟

ورد في الفقرة الأولى من الفصل 29 من القسم الخامس من الباب الأوّل: »يخضع إعداد برامج التنمية والتهيئة الترابيّة وجوبا إلى آليّات الديمقراطيّة التشاركيّة. » ولكن لا يوجد تعريف واضح ودقيق لمفهوم الديمقراطيّة التشاركيّة وهو جوهر مشروع قانون مجلّة الجماعات المحليّة دستور الحكم المحلّي. وهذا خطير إذ كيف ندعو المواطنين لانتخاب أشخاص سيجتمعون على تأسيس ممارسة مواطنيّة على أساس مفهوم لا تعريف له.

ولكن يبدو أنّ مفهوم الديمقراطيّة التشاركيّة لم يكن غائبا بل مغيّبا قصدا وعمدا إذ أحالت الفقرة الأخيرة من الفصل 29 ضبط الديمقراطيّة التشاركيّة إلى المجلس المحلّي المنتخب. نقرأ: « يضبط المجلس المحلّي المنتخب بالتشاور مع المجتمع المدني آليّات الديمقراطيّة التشاركيّة وصيغها ». يعني ستكون لنا صيغ وأشكال متعدّدة وربّما مختلفة وربّما متناقضة من الديمقراطيّات التشاركيّة. إذا كان المجلس المحلّي والمجتمع المدني الشريك له من لون واحد فالعجينة تكون على لون واحد. والأصل في القانون هو وحدة الصياغة والمضمون.

وفي المقابل تمّ التنصيص على أوجه التعامل بين الجماعة المحليّة المنتخبة وبين السلطة الجهويّة المعيّنة مركزيّا والتي يمثّلها أساسا الوالي وأمين المالي الجهوي اللذان يفرض قانون المجلّة على الجماعة المحليّة إعلامهما بكلّ أنشطتها حتى من عقود الكراء واللزمة. ويمنحهما القانون حقّ الاعتراض لدى المحكمة الإداريّة وإبطال أعمال الجماعة المحليّة وبرامجها. وفي المقابل لم يحدّد القانون نفس هذه الآليّات أو آليّات شبيهة في أوجه التعامل بين الجماعة المحليّة والمجتمع المدني. وفي المقابل يترك للمجلس المحلّي حريّة اختيار شكل الديمقراطيّة التشاركيّة الذي يناسبه.

هذا التحليل يكشف عن استهتار من أعدّ مشروع قانون مجلّة الجماعات المحليّة، وهو وزارة الشؤون المحليّة والبيئة والحكومة من ورائها، بالديمقراطيّة المحليّة والاكتفاء بالالتزام بها وتطبيقها في الظاهر وإفراغها من محتواها في جوهر القانون.

وهذا التفاف على الديمقراطيّة وحصر لها في تنسيقات ومشاورات بيروقراطيّة بين مؤسّسات الدولة، بل خوف من الديمقراطيّة التشاركيّة وتكريس للسلطة المركزيّة في الشؤون المحليّة. وهذا دليل على الاستخفاف بالمجتمع المدني وتحجيم لدوره المحلّي وتصغيره وتجريده من المسؤوليّة. وستكون لنا جولات مع مشروع قانون مجلّة الجماعات المحليّة.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات