إن قطر تلك الدولة الصغيرة صنعت تحولا تاريخيا في المنطقة العربية ، لم يكن أي ملاحظ أو مفكر أو سياسي يتوقع أن تحدث قطر زلزال في الوعي العربي لا سيما في مستوى العلاقة بين المواطن والسلطة فإنشاء قناة الجزيرة كان بمثابة الحقنة التي شحنت العقل العربي على مستوى النظر في واقعه وعلى مستوى التفكير بجدية في تغييره نحو الأفضل.
فالجزيرة ليست جهاز إعلامي فتح عيون الشعب على نوع جديد من الإعلام لم يألفه في الإعلام الرسمي بل مركب وعي ثقافي أحدث تفكيك للبنية الذهنية المتكلسة بثقافة السلطة ليجد المواطن العربي ذاته مسجاة على مشرحة بكل عيوبها السياسية والثقافية والنفسية وبدأ هو نفسه يقوم بعملية الجراحة ويستأصل كل الأورام التي كانت تمنعه من النظر للحقيقة كما هي لا كما يسوقها إعلام العار …
ومن تلك الدروس التي بثتها قطر من خلال الجزيرة تعلم المواطن كيف يخاطب السلطة بادئ الأمر ثم كيف يقوضها عندما لا تمتثل لظوابط الحوار وكانت ثورات الربيع العربي وكانت الجزيرة وراءها تدعمها وتفند مغالطات الإعلام الرسمي حتى قبض الشعب في كل قطر ثوري على سيادته بيده وكانت قطر المساند لتلك الثورات والحامي لها موضوعيا من الثورات المضادة أو التقهقر في إرتداد نحو الخلف …
اليوم قطر تلك الدولة الصغير التي غيرت شطر المنقطة العربية نحو الحرية والديمقراطية والشطر الثاني أصابته العدوى فصار يتشوف للحاق بالشطر الأول تحاصر من ألد أعداء الحرية من عروش ملكية صدرت بعقيدتها الوهابية كل فرق الإرهاب وجماعات الموت ونظرت للتزمت والتطرف والمغالات من خلال علماء بلاط يبيعون الفتوى بالمزاد العلني …
قطر تدفع ثمن تعلقها بالقيم ومساندة الشعوب التائقة للحرية والديمقراطية …قطر تترجم الإسلام في دفع نحو التقدم والتحرر عكس نظام السعودية الذي أنتج فهما لإسلام متخلف متزمت متجمد في متون القرون الوسطى وحواشي عهد القبلية والعصبية …
هذه قطر وهذا ما أنجزت فأريوني السعودية ما أنجزت سوى السلفية بكل تمثلاتها الإجرامية الإرهابية …