لن تخطو هذه الأمّة باتجاهِ الأمام.. حتّى تغتسِلَ من أدرانِ الكراهيّة المجانيّة التي تشتّتُ وَحدتَها وتمزّقُ شرايينَها وتُذكي نارَ الأحقادِ في ترابِها ووجدانِها. لقَد أبدَعنا في التّنافي والتجافي، وجفّفنا مشَاعِر التّواصل.. فإذا المُداهنة والنفاقُ والتزلّف والتملّق سيّد السّلوك.
طمسنا على قُلوبِنا وكتمنا نبضَ المحبّةِ وخنقنا نبتةَ الجمالِ في نفوسِنا.. فاصفَرّت ملامِحُنا خواء وقلقا وصارَ مبلغُ همّنا المكسَبُ الذي تهاوتْ أمامَه الكرامة وسالَ الضّمير وانعدمت المروءة وصُلِبت المبادئ.
وبعد..
ها أنّنا وسط الأمم غثاء بلا قيمة ولامقام.. لا ننتِجُ غير الفواجع والبلايا، ولا نُصدّر غير الجوع والقهر والأرامل والعاهرات.. ولولا ما تمتلكُهُ الأرضُ من منابع العطاء ما التفتوا إلينا.
ها نحنُ شذر مذر.. لا تكادُ العائلةُ الواحِدة تجتمعُ على كلِمة، ولا يدري شبابُنا أملا ولا دربا، قضايانا إلى نسيان، لولا القابضون على الجمر المحترقُون بالحصار والقصف والتشريد.. وسياساتنا إلى بوار وساستُنا إلى إذلال واتباع وانصياع.
زَهوْنا بخلّبِ الثورة حينا.. وحلُمنا.. ولكن حُلْمنا تحوّل إلى كوابيس يقظة مُرعِبة.. بسبب تنازعنا وعِراكنا واختلافنا على أنفسِنا.. وبمكرٍ ودهاء علميّ من أعدائنا الذين استطاعوا شِراء الذمم هنا وهناك.
ليسَ ثمّة من أفقٍ غير الوعي بحقيقة وضعنا الرّديء جدّا.. وبضرورة اليقظة العاجلة على الحقيقة المُرّة والهاوية السحيقة التي نهوي فيها..
الثورة الرّوحية والأخلاقية والفكرية، سبيلٌ آمن حتّى ننظر في وجوه بعضنا بعين القلب، ونستعيدَ وعينا وبصيرتنا وأيدينا وخُطانا ..