الغَيث يغمُرُ وجْه الأرضِ في ربوع الكاف، دفء اللقاء يُنعِشُ الليل بحديث المطر للتراب .. ثمّةَ تِرحابٌ وعِتابٌ ودموعٌ غامِرة. سيكون ربيعا زاهيا، وستشدو الأطيار وتعبق الأزهار، وستخضرّ الأبعاد وتنتشي البلاد .. سنابِل سكرى بالوُعود. آنَ للفلاّحينَ أن يستأنِفوا أحلامهم .. وللطيرِ أن تطمئنّ على فضاءٍ مُريحٍ لفِراخِها .. ولِي .. كَيْ أغمُرَ وَجْهَ البِلادِ بألوانِها وأصواتِها ورَوائِحِها .. نَشيدا زَكيّا. حَمدًا للّذي وَسِعت رَحْمَتُهُ كُلّ شيء .. ذاكَ المُنْعِمُ الّذي لا يَسْهو .. عَن أشواقِ خَلْقِه ..!
........
الذي لا يَعانِقُ الشّمسَ التِي تُداعِبُ ملا مِحَهُ وتُدفِئُ خُطاهُ وتُضِيْ لَه المَسافَةَ، غَافِلٌ عَن أبهَى أصْواتِ الوُجُودِ الذِي يَحْتضِنُهُ ويَرْعاه. غَريبٌ هُوَ المُكِبّ عَلَى وَجْهِهِ .. في عَالَمٍ .. يَنطِقُ فِيهِ كلّ شَيءٍ، ويُشِيرُ إلى الأعلَى .. حَيثُ الأُفُق الأسْمَى والأبْعَادُ العَميقَة. ما أرْوَعَ الإنْصَاتَ إلَى صَوتِ القَلبِ وهو يَلهَجُ بِإيقاعِ الحَياةِ الجامِعِ لِمُفرَداتِ الوجُود.. فِي انسِجَامِها السينفُونِيّ البديع !!
........
بينَ دَقّاتِ سَاعَةِ القَلبِ .. وبينَ ساعَاتِ الأمكِنَةِ والأزْمِنَةِ .. مَسَافاتُ ضَوءٍ وظِلال .. تختَلِفُ باختِلافِ حَيَويّةِ النّبضِ والإحساس، فلا مَعْنَى للزّمَنِ خَارِجَ دائِرَةِ الوَعْي والشّعُورِ. المَسْألَةُ ذات بعدٍ ثقافيّ وإدراكٍ حَقِيقيّ لإيقاعِ الحَياة. دَعْ عَنكَ الفُرجَةَ الوُجُوديّةَ وإحْصاءَ الأيّام .. ولَهفَةَ مُطارَدَةِ الصّخَبِ والطّعام ..! آهِ لوْ نُدرِكُ .. أنّ الزّمَن ليسَ خارجًا عَنّا .. بل نحنُ مَن يَصنَعُهُ .. حُضورا يَقِظًا ووعْيا نَبيهًا ودورًا رائِدًا.. فليكُن صُبحُنَا قَريبًا وأملُنا واثِقًا فِي الغَدِ، وأمّتُنا على مَوعِدٍ مع الرّشدِ والوَحْدةِ والسّلام.
……..