اليوم 29 ماي هو يوم تاريخي في مسار الشعوب الثائرة، وكان يفترض أن نحتفل بأننا نفتح جرحا قاسيا لإغتيال معارض سياسي ودفن جثمانه في خرسانة اسمنتية لأحد جسور الطرقات، فاليوم كان يفترض أن يقف المجرمون أمام المحكمة المختصة لنؤسس علامة نموذجية للعدالة الإنتقالية،
غاب المتهمون المجرمون بإرادة سياسية منحرفة تريد طي الماضي بلا مكاشفة أو محاسبة، وحضرت والدة كمال المطماطي تستجدي عظام ابنها ورفاته لتحكي لنا وجعا تجاوز الربع قرن من تاريخ دولة الاستبداد، ورغم ذلك فالحدث استثنائي وتاريخي ولحظة سعيدة رغم أوجاعها..
في آخر فرحة يوم 29 ماي يخرج علينا رئيس الحكومة بخطاب تعجز كل أدبيات العلوم السياسية عن فهمه، فهذا اليانع سياسيا خرج علينا تحت وطأة الخوف من ضياع مجده السياسي وطموحاته السلطوية المسنودة بالقوى الخارجية وأدواتها الداخلية،
خرج ليصفي حساباته مع غريمه إبن الرئيس في إطار حزبه، لكن هذا الأبله وظف المرفق العمومي للتلفزة الوطنية ليعرض معركته على شعب تناثر بين السخرية وعدم المبالاة، وهو لم يحدث تقليدا جديدا، بل سبقه في ذلك رئيس الجمهورية الذي دشن مرحلة الدوس على دستور الثورة حين جعل النظام البرلماني أعرج فشوه كل مكاسب الثورة،
وأخذ يحارب الهيئات الدستورية ويخلط بين السلطات الثلاثة، فصرنا نعيش النظام الرئاسي بكل مساوئه القديمة، وتماهت الدولة مع الحزب الأوحد الذي ورث سلوكات الحزب الدستوري جاعلا من حليفه حزب النهضة خادما طيعا يقدم التنازلات تحت ضغط ملفات مشبوهة..
فرحة المحاكمة التاريخية لجلادي النظام الاستبدادي نغصتها إطلالة رئيس الحكومة الباحث عن مجد سياسي على جثة الإبن الفاشل، وهي لحظة تاريخية مفصلية في مسار الخط الثوري مع مسار الردة السياسية للثورة المغدورة.
أغلب المحللين السياسيين يحاولون إستثمار معارفهم السياسية لتفسير المشهد السياسي الحالي، وهو مشهد مليء بالحمق السياسي حين تستعيد الدولة العميقة المبادرة في إستعادة السلطة وآلياتها مستثمرة مكاسب الثورة في الحرية والتعددية، وهذا هو المشهد الهجين في تسيير دواليب الدولة الهشة حين يخرج علينا رئيس الحكومة بخطاب وعظي في الأخلاق السياسية هل نسي نفسه ذات مساء حين كان يشطح بعبارات فاسدة تجاه رئيس الجمهورية السابق المنصف المرزوقي….