مر الاسبوع الثاني على إنتفاضة الجنوب العراقي في ظل صمت وسائل الإعلام العربية والدولية، كنت أتابع تطور الأحداث عن كثب لأكتشف صحوة شعبية وهبة وعي ضد الحكم الطائفي في العراق، فأن ينتفض المثلث السني ضد حكم الملالي فهو مفهوم في سياق الازمة السنية العراقية، لكن ان ينتفض المثلث الشيعي المحكوم بزعامات الشيعة من التيار الصدري أو تيار المالكي فهذا يطرح عدة أسئلة.
مرت خمسة عشر سنة على سقوط بغداد تحت سلاسل الدبابات الأمريكية بتواطؤ إيراني تركي عربي وإرتياح صهيوني، لأن العراق بكل اوزار الحصار والقتل كان شوكة في خصر المصالح التركية والإيرانية والصهيونية في المنطقة العربية،
وكان سقوط بغداد إيذانا بمرحلة جديدة لتوافقات أمريكية إيرانية تركية، وبوابة لمرحلة التطبيع بين الخليج والكيان الصهيوني، لكن الشعب العراقي كان شعبا حيا دخل في موجة من المقاومة الشعبية المسلحة لأكثر من خمسين فصيل مقاوم، وكان حضور داعش في الموصل مخرجا من المأزق، فتحولت إنتفاضة الانبار إلى طموح تنظيم القاعدة في بعث كيان سياسي وجدت فيه القوى الإقليمية والدولية مخرجا لأزمتها من المستنقع العراقي، ورحل فعل المقاومة ليعوضه مفهوم الإرهاب…
هذه المرة ينتفض الجنوب الشيعي بشعارات لا طائفية: "علمانية، علمانية.. لا سنية لا شيعية" لشباب عراقي تمرد على وصاية الحوزة الصامتة والحوزة الناطقة، وحصل الإرتباك لدى السلطة المحلية الشيعية والقوى الإقليمية الصفوية، وصار الهاجس كيف يتم تخريب هذه الانتفاضة وتشويهها قبل ان تصير حركة وطنية ضد الطائفية البغيضة…
لقد جرب الشعب العراقي الحرب الطائفية، كما جرب الحكم الطائفي بحكم شيعي مطلق الولاء مع إرضاء للسنة العملاء، فزاد الفساد السياسي والإقتصادي بفضل العمامة السوداء، وكان للشعب العراقي ان يجرب الإسلام السياسي بشقيه السني والشيعي ليعرف أنه محكوم بجمر اللهب الراكد تحت الرماد، وان الحكم المدني الديمقراطي المواطني هو القادر على الخروج بالشعب العراقي من التخلف والتبعية الطائفية.
قد قالها شاعر العراق مظفر النواب "هذه الامة لا بد لها من درس في التخريب" ، وقد عاش العراق الخراب والتخريب، وبدأ وعي البناء وتجاوز الإسلام السياسي يتشكل لدى جيل من الشباب هو الذي سيصنع المستقبل،،، سيتآمر عليه الداخل والخارج لكن المكاسب الإنسانية تحتاج إلى كثير من التضحيات، ونحن نعرف ان الشعب العراقي العظيم قدم الكثير الكثير لتاريخه المجيد…