أعرب مجلس ادارة البنك المركزي في اجتماعه الدوري بتاريخ 10 ديسمبر 2018 عن قلقه ازاء تواصل توسع عجز الميزان التجاري خلال الاشهر العشرة الاولى من السنة.
في ذات السياق وحسب المعهد الوطني للإحصاء شهد عجز الميزان التجاري ارتفاعا خلال الاشهر الاحد عشر الاولى من السنة ويعزى هذا العجز الى تطور الصادرات بنسبة ٪19.9 في حين تطورت الواردات بنسبة ٪20.1 نتيجة الارتفاع الملحوظ في واردات جل القطاعات حسب المعهد الوطني للإحصاء ومنها بالأساس الطاقة بنسبة ٪38.4 والمواد الاولية ونصف المصنعة بنسبة ٪21.9 والمواد الاولية والفسفاطية بنسبة ٪17.6 ومواد التجهيز بنسبة ٪17 والمواد الفلاحية والغذائية الاساسية بنسبة ٪8.9.
ورغم الارتفاع الصاروخي لعجز الميزان التجاري تحلى مجلس ادارة البنك المركزي بالموضوعية المبالغ فيها ليتوقف عند التعبير عن القلق في حين ان الوضع يتطلب تحركا بحجم العجز الجاري الذي بلغ ٪9.2 من الناتج المحلي الاجمالي خلال الاشهر العشرة الاولى من السنة مقابل ٪8.9 خلال نفس الفترة من السنة الماضية وذلك باعتباره المسؤول عن مسك احتياطيات الصرف والذهب والتصرف فيها بمقتضى الفصل 8 من القانون عدد 35 لسنة 2016 مؤرخ في 25 افريل 2016 يتعلق بضبط النظام الاساسي للبنك المركزي.
ان تواصل ارتفاع عجز الميزان التجاري بالنسق الحالي حيث يتوقع ان يبلغ 28 مليار دينار حسب الاحتساب الذي يعكس حقيقة الاحتياطي من العملة الصعبة والذي يعتمد على المبادلات التجارية للشركات المقيمة والخاضعة للنظام العام باعتبار ان مداخيل صادراتها تؤثر على الاحتياطي عكس الشركات غير المقيمة والخاضعة لنظام التصدير الكلي والتي هي غير مطالبة باسترجاع مداخيل صادراتها بمقتضى قانون الصرف الذي يعود الى سنة 1976، هذا الارتفاع يؤكد مرة اخرى ما لاحظه خبراء صندوق النقد الدولي في آخر زيارة لهم الى تونس من ان بلادنا تعتمد على التوريد لتغطية حاجيات السوق المحلية، بما يؤكد مرة اخرى ان اقتصادنا هو اقتصاد ريعي لا مكان فيه للإنتاج.
ان تفاقم عجز الميزان التجاري بالنسق الحالي يكشف عن طبيعة الخيارات الاقتصادية والمالية والاجتماعية لحكومة الشاهد ومدى مصداقيتها في تأمين الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي المهدد بالخروج عن السيطرة في الايام القليلة المقبلة استنادا لتداعيات عجز الميزان التجاري على المقدرة الشرائية، والتضخم، والقدرة التنافسية للمؤسسة الاقتصادية، وسعر صرف الدينار والبطالة…
ورغم وجود سلطة نقدية تنبه وتحذر وتعبر عن قلقها مرة وانزعاجها مرة اخرى من تدهور عجز الميزان التجاري وبالتالي من تدهور العجز الجاري وتدهور الاحتياطي من العملة الصعبة، لم تحرك السلطة التنفيذية ساكنا للحد من نزيف هذا التدهور بل كشفت الجلسة الاخيرة لمجلس نواب الشعب التي خصصت للمصادقة على مشروع قانون المالية لسنة 2019، عن اصرار هذه الحكومة على التمادي في سياستها العدائية لمنظومة الانتاج الوطنية ووقوفها الى جانب لوبيات التوريد من الداخل والخارج في تناقض مع خطابها السياسي الرافع لشعارات الاستقرار والانتعاشة الاقتصادية والتي لا تجد لها أي أثر في تفاصيل اجراءات قانون المالية لسنة 2019.
ان المستوى الخطير الذي بلغه عجز الميزان التجاري والمخاطر التي ستنتج عن ذلك كفيلة باسقاط قانون المالية لسنة 2019 باعتبار طبيعة هذه المخاطر وتداعياتها على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي من جهة، وعلى السيادة الوطنية من جهة ثانية.
فانطلاق السنة الادارية في غرة جانفي 2019 بعجز تجاري يفوق 28 مليار دينار ينذر بتواصل انزلاق الدينار، وبتواصل ارتفاع التضخم وبتواصل تدهور المقدرة الشرائية وبتواصل تدمير منظومة الانتاج وبتواصل تدهور الاحتياطي من العملة الصعبة، وباعتبار ان اقتصادنا تحول الى اقتصاد ريعي بفضل سياسة ممنهجة رسمت تفاصيلها لوبيات الداخل والخارج، فانه لا مجال للاستغراب والاحتجاج على فقدان الخبز والادوية والمحروقات والماء والحليب… مع بداية سنة 2019.