هدية حكومية جديدة الى صندوق النقد الدولي : استقرار التضخّم ومحاولة للقفز على الأجور

Photo

تستعد حكومة الشاهد هذه الايام لاستقبال وفد عن صندوق النقد الدولي الذي سيتولى تقييم تقدم برنامج الاصلاحات الكبرى الذي وضعه الصندوق مقابل حصول تونس على قرض «تسهيل الصندوق الممدد» بقيمة 2.9 مليار دولار على أقساط وعلى امتداد اربع سنوات من 2016 الى 2020. وقد تحصلت تونس مع نهاية سنة 2018 على خمسة أقساط بناء على التزام الحكومة بتنفيذ برنامج الاصلاحات الكبرى الذي تقيدت به في اطار وثيقة قرطاج 1 التي خضعت للمزايدات ودخلت غرفة الانعاش لتفرز نسخة ثانية بقيت رهينة النقطة 64 المتعلقة بمصير الشاهد وحكومته.

وبقي الشاهد وبقيت وثيقة قرطاج 1 المرجعية الاساسية لعمل الحكومة، ودخل الاتحاد العام التونسي للشغل في مفاوضات عقيمة مع الحكومة حول الزيادات في الاجور في الوظيفة العمومية على خلفية تدهور المقدرة الشرائية وارتفاع نسبة التضخم.

حكومة الشاهد برهنت الى اليوم عن انضباطها باحترام رزنامة تنفيذ برنامج الاصلاحات الكبرى الا ان تحرك الاتحاد العام التونسي للشغل في كل مرة على الخط للمطالبة بالزيادة في الاجور في الوظيفة العمومية أثّر على درجة هذا الانضباط الذي غاب عن تعاطي السلطة التنفيذية مع الشعب التونسي واستحقاقاته باعتبار ان هذا المطلب يقوض احد شروط صندوق النقد الدولي المتمثل في تجميد الاجور في الوظيفة العمومية على خلفية الضغط على كتلة الاجور من الناتج المحلي الاجمالي كخطوة على درب ضمان تحقيق شرط آخر يتمثل في تقليص عجز ميزانية الدولة الى حدود ٪3 من الناتج المحلي الاجمالي بقطع النظر عن الكلفة الاجتماعية والاقتصادية لهذه السياسات التقشفية الحادة.

صندوق النقد الدولي وافق في شهر اكتوبر 2018 على صرف القسط الخامس من القرض مقابل التزام الحكومة بالضغط على عجز الميزانية الذي حددته هذه الاخيرة في حدود ٪3.9 من الناتج المحلي الاجمالي خلال سنة 2019 مقابل رفع الدعم عن المواد الاساسية والترفيع الآلي لاسعار المحروقات والذي تجسد في قانون المالية لهذه السنة. وبحلول بعثة صندوق النقد الدولي الى تونس في الايام القليلة القادمة سيخضع أداء حكومة الشاهد مرة اخرى الى التقييم والمراجعة خاصة في مستوى عدة محاور اقتصادية واجتماعية تتمثل ابرزها:

ـ في مشروع قانون التقاعد الذي لا يزال معلقا ليتحصل على المصادقة عليه من قبل مجلس نواب الشعب في الايام القادمة في اطار مزايدات حزبية ضيقة.

ـ وثانيا في نسبة التضخم وكتلة الاجور.

وبخصوص نسبة التضخم، فقد أنهت سنة 2018 في حدود ٪7.5 بالنسبة لشهر ديسمبر حسب المعهد الوطني للاحصاء الذي نشر مؤشر أسعار الاستهلاك العائلي لشهر ديسمبر 2018 الاسبوع الماضي.

وفي الوقت الذي توقع فيه البنك المركزي في تقرير له صدر في منتصف السنة الماضية بلوغ نسبة التضخم في شهر ديسمبر ٪8.2 بناء على فرضيات ضبطها وتقيد بان معدل نسبة التضخم لكامل سنة 2018 سيكون في حدود ٪7.5، سارع هذا الاخير في منتصف شهر ديسمبر 2018 الى مراجعة توقعاته نحو تخفيض نسبة التضخم من ٪8.2 الى ٪7.5 دون الاعلان عن مراجعة الفرضيات التي استند اليها لاحتساب توقعاته الجديدة التي جاءت قبل ان نشر المعهد الوطني للاحصاء للنتائج النهائية للمسح الدوري للاسعار عند الاستهلاك العائلي لشهر ديسمبر 2018.

ولئن وضعنا سابقا مراجعة البنك المركزي لنسبة التضخم لشهر ديسمبر 2018 بالعملية الاستباقية التي تخفي توظيفا سياسيا للمعطيات الاحصائية، الا انه يبدو ان المعهد الوطني للاحصاء قد أسقط قراءتنا وفند شكوكنا ليؤكد التوقعات الجديدة التي قام بها البنك المركزي في اتجاه التخفيض دون قيامه بمراجعة الفرضيات المتعلقة بمصادر التضخم والتي لازالت قائمة بل تعمقت أكثر وتتمثل اساسا في:

ـ تأثير ارتفاع أسعار المحروقات في شهر نوفمبر 2018،

ـ التأثير غير المباشر لتعديل أسعار الكهرباء خلال شهري اكتوبر ونوفمبر 2018 والذي سيكون له تأثير مباشر على ارتفاع التضخم في شهر ديسمبر 2018،

ـ تواصل انزلاق الدينار بنفس النسق المسجل خلال الثلاثي الثالث من السنة،

ـ تواصل تراجع الطلب الداخلي بسبب تراجع إسناد القروض للاقتصاد.

اننا لا نشكك في احصائيات المعهد الوطني للإحصاء، كما اننا نقر بعبقرية البنك المركزي الذي قام بمراجعة نسبة التضخم دون مراجعة الفرضيات وقبل نشر المعهد الوطني للاحصاء لنسبة التضخم الفعلية، الا ان ذلك لا يجب ان يحجب عنّا الاسباب الحقيقية لاستقرار نسبة التضخم في مستوى ٪7.5.

لقد حان الوقت لتفكيك محتوى التضخم واسبابه الحقيقية والعوامل التي ادت الى الضغط عليه في مستوى ٪7.5 بعيدا عن السياسة النقدية المتشددة للبنك المركزي، والعمل على ادماج المعطى الاجتماعي والمآسي الاجتماعية التي تفرزها سياسة التقشف في المالية العمومية من جهة، والسياسات النقدية المتشددة للبنك المركزي من جهة ثانية.

ولئن ربحت حكومة الشاهد اليوم رهانها في استقرار نسبة التضخم في حدود ٪7.5 على كامل السنة وفي شهر ديسمبر لتقدمه لبعثة صندوق النقد الدولي على طبق فذلك لا يجب ان يحجب عنا مصداقية وشرعية مطالب الاتحاد العام التونسي للشغل لتحسين المقدرة الشرائية باعتبار تداعيات سياسات التقشف والسياسة النقدية المتشددة على الحياة الاجتماعية والاستقرار الاسري من جهة وعلى جميع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطن المتمثلة في حقه في العمل والصحة والتعليم والحياة الكريمة من جهة ثانية والتي دمرتها هذه السياسات لتتجاهل الحكومة في مفاوضاتها مع المنظمة الشغيلة هذه العوامل وتجني بقاءها في السلطة بتواطؤ مع المؤسسات المالية الدولية.

ولئن ربحت حكومة الشاهد، عشية حلول بعثة صندوق النقد الدولي في تونس، جولة استقرار التضخم، فان مآل جولة كتلة الاجور لازال مجهولا رغم تدخل رئيس الجمهورية على الخط.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات