انتهت الانتخابات التشريعية في الجزائر ، ولم تحدث تلك الرجة المتوقعة في الساحة السياسية المحلية والدولية ، وهذا أول دليل على هشاشتها شكلا ومضمونا ، فهي جاءت لاحتواء الحراك وليس استجابة لمطالبه . ولذلك كان وقعها باهتاً جدآ مقارنة بحجم الجزائر ، كدولة محورية في محيطها والعالم .
أما بالنسبة للشكل ، فقد توزعت مقاعد البرلمان على مجموعات ، لايمكن لأحدهما الحكم بمفرده و تحمل المسؤولية النهائية ، وهي مقصودة في ذاتها بقانون يحدد مثل هذه النتيجة سلفا ،كما كان الأمر في تونس .
كما أن القطع الشكلي مع منظومة العسكر - بوتفليقة ، لم يحدث ، بل تواصل نفس النظام بعد تغييرات طفيفة في الأشخاص ، ففي تونس تمت عملية القطع النظري على الأقل بتأسيسي جديد ، و دستور جديد . أما في الجزائر ، فإن النظام ذاته مستمر ، وهو الذي أشرف على هيئة ( مستقلة) للإنتخابات . وهذا مطعن مهم في مصداقيتها .
إذا ماهي آفاق هذه الانتخابات :
إن الوجود الاستراتيجي للجزائر ، و حجمه ، يبقى محكوما بالعسكرتاريا ، التي جعلت من منها تابعا لا متبوعا ، و حولتها إلى قزم بحجم الفيل في السياسة الدولية ، و ليس بإمكان الأحزاب جميعها الا تحسين شروط العيش ، للمواطن في ظل التبعية للخارج .
أما القرار الاستراتيجي ، فسيظل بعيدا عن المدنيين ، الذين سيجدون أنفسهم ضمن القوالب الصدئة ، ولن يتقدموا شبرا في المجال الحيوي الذي يناسب حجم الدولة ..
ومهما يكن من تفاءل بمستقبل الديمقراطية في الجزائر ، فلا أرى في هذه العملية ، الا ضربة استباقية لآفاق الحراك و استباقا لما يمكن أن تسير فيه الأحداث ، و احتواء للسقف الحقيقي ، لحراك الشعب الجزائري ..
يبقى للأحزاب والشخصيات التي ركبت مع النظام منذ الانقلاب العسكري على نتائج الصندوق بداية التسعينات ، ثم شاركت مع بوتفليقة في شرعنة نظامه المافيوزي ، والآن تقفز إلى الأمام ، في مشاركة واضحة في قطع الطريق على شعب رفض المنظومة كلها ولم يشارك في مهزلة الانتخابات الا بنسبة زهيدة - أن ترى الحكمة حيث شاءت ، وتفلسف الأمور كما شاءت ، فلن يغير ذلك من الأفق الاستراتيجي شيئا .
تبقى تونس على علات تجربتها ، الدولة الوحيدة التي قطعت نظريا وتأسيسيا على دولة المافيا ، و لذلك لم تهدأ تلك المافيا محليا واقيليميا و دوليا في حربها القذرة على تجربة تونس ، بما فيها الدعوة المباشرة للانقلاب العسكري ..
إن شراسة الحرب على الديمقراطية التونسية ، بكل الأدوات داخليا وخارجيا ، و تفاهة المسرحية الجزائرية ، و ردات الفعل حولها ، يدللان على صدقية التحولات و نوعيتها ، فشتان بين مسار توضع المسامير كل صباح في طريقه ، وبين مسار مدهون بطلاء يخفي صدأ كثيرا ، لا يكاد يحتفي به أحداً.