طبيعي أن يكون جمهور النهضة هو الأكثر حضورا في المظاهرات، فهي الحزب الأكثر شعبية، و طبيعي جدّا أن يحاول الحزب تحشيد أنصاره بكل وسائله و إمكانياته، فهي معركة وجود بالنسبة له، و معركة استرداد كرامة و مواقع و سلطة، استحوذ عليها الرئيس بعد تكالب عليها.
_ماليس طبيعيّا هو اعتبار هذا الحراك، حراكا نهضاويا صرفا، و تجاهل كل الأطراف و الوجوه و الأحزاب المشاركة فيه، و التي هي في أغلبها على خصومة سياسية مع النهضة و منتقدة لتحالفها مع قلب تونس و لدعمها حكومة المشيشي و طلبة التجمع.
بل يرقى الأمر حدّ الغباء، حين يواصل البعض ومنهم للأسف ناشطون سياسيون ديموقراطيون، اعتبار هذا الحراك ضغطا من الغنوشي و تجييشا للشارع من أجل استعادة كرسيه في البرلمان و العودة إلى وضع 24.
يجب أن تكون غبيّا جدّا كي تصدّق أنّ الدعوة لإسقاط الانقلاب تخفي الدعوة لعودة برلمان الغنوشي و الزغراطة،كأنّ شيئا لم يكن، أو كأنّ 24 كان وضعا مقبولا...أو كأنّ كل هؤلاء المواطنين لا تعلّق لهم بالدستور و بالمسار الديمقراطي!
أو يجب أن تكون خبيثا جدّا أيضا لترويج هذا الخلط الشعبوي حتى تقضي على حظوظ استئناف المسار الديمقراطي و تكرّس الأمر الواقع باعتباره الحائل دون عودة 24.
_ماليس طبيعيا أيضا، هو مواصلة نهضة الغنوشي التعامل مع الأحداث بمنطق الضحية و السلطة الشرعية المنقلب عليها، و بمنطق تحريك القواعد لإحداث الضغط بحثا عن موطئ قدم في تفاهمات المرحلة القادمة.
ماليس طبيعيا، هو أيضا خروج القيادات المستقيلة منها إلى الرأي العامّ في صورة الثائرين المعارضين للسيستام النهضاوي، غير المشاركين في أيِِّ من الخيارات الكبرى للحزب، غير المتحملين لأية مسؤولية.
الطبيعي، أن تنكفئ الحركة على نفسها و أن تدخل جميع قياداتها في حالة مراجعة جذرية لكلّ خراج العشر سنوات و للخيارات التي أودت بالمسار الديمقراطي في جرّة قلم،
الطبيعي، أن تعي القيادات النهضاوية كلها، أنّها قد خسرت الرهان على السلطة، فلا أقلّ من باب الوطنية، ألاّ تخسر الرهان على الديمقراطية و التعددية، و لن يكون ذلك إلاّ بالتراجع عن قيادة هذه المرحلة تراجعا تاما، و فسح المجال أمام بقية القوى الحرّة، لإنجاز التسويات الضرورية للخروج من هذا المأزق، مع الإسناد و الضغط الإيجابي فحسب.
الطبيعي أن تشرع القوى الديمقراطية الحرّة على الميدان، في تحويل الزخم الشعبي المناهض للانقلاب، إلى خارطة طريق شعبية و وطنية، و أن يبادر السياسيون الوطنيون إلى فرض هذه الخارطة على الجميع،بمن فيهم قيس سعيّد و الغنوشي و ليس الذهاب إلى المنظمات لتسوّلها مجددا.
و الطبيعي أن يقدّر السياسيون خطورة الوضع الاقتصادي و شفير الإفلاس الذي نحن على حافته، فتكون هناك بموازاة خارطة الطريق السياسية، أخرى اقتصادية، تفرض فرضا بمشورة خبراء نزهاء و صادقين، الإصلاحات الكبرى المؤجلة منذ الثورة، و تختطّ منوالا اقتصاديا مبتكرا قادرا على ضرب لوبيات الفساد المتغلغلة في دم البلد و الناهبة لثرواته و المعطّلة لنمائه.
الطبيعي أن تنتهي هذه المغامرة الرعناء بأسرع وقت، و أن تكون قد أدّت الرّجّة المطلوبة في تقديرات الفاعلين السياسيين المتمسكين بالخيار الديمقراطي، و أن ينطلق مسار جديد، متطهّر من كل أخطاء المرحلة السابقة سواء في علاقة الأحزاب المستفيدة من الثورة ببعضها، أو في علاقتها بالسيستام الماكر، أو في علاقتها بالشعب.
الطبيعي أن لا ينجح هذا الانقلاب الغادر في وأد أحلامنا و أشواقنا إلى دولة الحداثة السياسية و وطن الحرية و الكرامة الإنسانية.