منصف المرزوقي هو شقيقي ،أنا توأمه و هو توأمي و بيننا ثلاث سنوات، أعرفه و كأنني أقرأ في نفسه و روحه و نحن رفاق نفس المسيرة.
درسنا في نفس الابتدائية في حمام الأنف بتونس ثم في نفس الثانوية بطنجة في المغرب ثم التحقنا بنفس كلية الطب بستراسبورغ في فرنسا ثم أُنتدبنا و درّسنا في نفس كلية الطب في سوسة، مشوار عمر كامل و نحن رفاق درب واحد.
هم ينعتونه بأبخس النعوت و يعتدون على شرفه و يدعون الى حرق بيته و حتى الى هدر دمه ،هم لا يعلمون و أنا أعلم و أنا أدرى منهم .
أعلم عن سعة ثقافته و عن رقة شعوره، أعرف أنه يحفظ عن ظهر قلب لأبن عربي و أنه يقرأ في النص لشكسبير و هو خبير متضلع في الموسيقى الكلاسكية .
هم لا يعلمون أنه و هو صبي مراهق فاز بالجائزة العالمية للمعاهد الفرنسية (Le concours général) و أستقبل في صرح الثقافة الفرنسية (la comédie française ) .
هم لا يعلمون و هو طالب في العلوم الإنسانية أنه فاز بجائزة غاندي و حلّ ضيفا على الحكومة الهندية. هم لا يعلمون أنه و هو طالب في الطب متمرن ذهب إلى الصين في عهد ماو-تسي-تونغ و الثورة الثقافية لمعاينة تجربة الجماعات القروية و”الأطباء،حفاة الأقدام “ (les médecins aux pieds nus) في أقاصي أرياف الصين .
لا يعلمون أنه من الصغر و بالأخص أثناء الحقبة الطلابية كان متوقدا و نصيرا لكل الحركات التقدمية و بالأخص لحركات الانعتاق العربية و في مقدمتها القضية الفلسطينية و تعلقه بالديموقراطية ليس و ليد اليوم و لم يكن يوما ما متسلقا انتهازيا.
هم لا يعلمون أنه تخرج من كلية الطب من أعلى الهرم و قد حاز على أربع تخصصات و لما جاء زمن الاختيار لم يطلب لنفسه جنسية أخرى ورجع إلى الوطن ليكرس حياته لخدمة الشأن العام وكان من القلة النادرة التي قطعت على نفسها إلا خدمة القطاع العام و لم يبني بيته الى من جائزة بورقيبة الطبية التي حاز عليها هو الأول في سوسة.
ثم جاء زمن النزال مع الإستبداد و لم يتردد و قد غامر و خاطر بالغالي و النفيس و هو يلبي لقناعاته و هو في خدمة هذا الوطن .كنت شاهدا على ما تسببوا له من معانات و ما ألحقوا به من ضرر في حياته و هو محاصر ثم مطارد ثم مفصول عن عمله ثم سجين ثم مهجّر و هو يتجلّد و يستبسل.
احتضنته في محنته الجامعة الفرنسية كأستاذ شريك أجنبي في كلية طب باريس و كان له ذلك تقديرا و فخرا و لم ينقطع عن مقاومة الدكتاتور و هو في منفاه.
ثم جاءت الثورة ور جع الى تونس محمولا على الأكتاف و كان ما كان و هو يجوب العالم حاملا إسم تونس في كل الأصقاع و العالم يصفق لتونس و له تقديرا و إجلالًا.
لكل واحد منا تقيمه لأداءه السياسي من منطلق قناعاته و هذه هي الحرية و الديمقراطية و قد بشرت بهما الثورة.غادر الرجل السياسة بعد إنكسار الثورة و قضى وقته ضيفا على أعرق الجامعات و أهم المنتديات و هذا عرفانا له بمكانته.
لم يستكن و قد اعتزل السياسة و هو يتابع و يرى ما و قع لدستور الثورة و قد أشرف على صياغته و أمضى عليه هو الأول.
أن ينعت المنصف المرزوقي بالخيانة العظمى و هو يدافع بصلابة و شراسة عن الديموقراطية وهو الذي كرس عمره لخدمة هذا الوطن فهذا أمر لا يستسيغه العقل.