كتبنا على مشهد ضريحه :" عاش و توفي مناضلا من أجل الحرية و الديموقراطية في تونس ". لم نزايد و لم نكابر و هو الذي لم ينفكّ الى آخر رمق ، الى آخر نفس، مسكونا بحب هذا الوطن يكتب و يدوّن عن جراح هذا الشعب.
كان مناضلا حتما ولكن كان بالأخص مصارعا عنيدا و مقاوما صبورا. كل الذين عرفوه عن كثب كانوا يعلمون أنه صُعق بمرض عضال و هو في عنفوان الشباب.
نال منه الداء و أنهكه سنينا طوالا ولكن لم يحبطه و لم يثنيه عن الثبات و الاستمرار الى أن أُسعِف بعد طول أنتظار و منّ الله عليه بشفاء حذر. كان له صراع آخر،اشدّ مرارة وأمرّ من مرضه.
التحق عن جدارة بوزارة سيادية في سنة 1982 و ما أن عرفوا أنه أخّ لأخيه حتى طبّقوا عليه افضع ما يمكن أن يطبّق على شاب طموح : العزلة و التهميش . لم ينزوي وقد حكموا عليه أن يكون موظفا منبوذا في مكتب معزول طيلة عقود الا مهمات شكلية ، متباعدة و في أسفل السلّم. لم يرضخ للإذلال ولم يستكن وهو يرى رفاقه يرتقون و يعيّنون دونه في أعلى المسؤوليات.
روى لي عن هذه الحقبة أنه لما كان يحتج عقب كل حركة تعيينات التي دوما لا تشمله، أُبلغ ذات مرة أن مكلّف (الساعة) قال فيه “ يحمد ربّه أننا تركناه يأكل خبزة ”…هكذا،حرفيًا.
جاءت الثورة و عُيّن قنصلا عاما بعد ثلاثون عاما وهو مُبعد…قامت القيامة ولم تقعد. شُهِّر به و نَهش في عرضه و كفاءته كلّ من الصديق الذي لا يعلم و الخصم الممانع و العدو المُتشفي وقد اختلط الحابل بالنابل،قيل فيه و كُتب عنه ما يندى له الجبين.
وكأن محنته مع سلكه لن تنتهي ،أُحيل على التقاعد الوجوبي الذي لا يُمهل و هو على أعتاب عملية جراحية مفصلية ، أجراها في الخارج على نفقته و في ظروف حرجة ودقيقة.
عاش العشرية الأخيرة ، عشرية الردّة متبرّما ، ساخطا على الفرص المهدورة، مدافعا شرسا على قيم الحرية و الديموقراطية الى أخر نفس ،الى أخر رمق ، توفي وهو ممسك بالقلم، يكتب عن الوطن و عن الأمل.
قارئًا شغوفًا ، عروبيا، يساريا، محبّا للحرية ودوما منتصرا للديموقراطية في معاركها ضد الإستبداد ،هكذا كان هشام المرزوقي.
رحم الله أخي اللطيف ،الودود، البشوش، عاش و توفي مناضلا شريفا محترما.