تابعت بمرارة، مرارة مراد الزغيدي وهو يتحدث في برنامج «تحت السور» على قناة التاسعة مساء أمس، عن إلغاء إدارة إذاعة «إي آف آم» لحواره المبرمج يوم السبت الماضي مع القاضي بشير العكرمي.
شهران ونصف من الجهد بذلهما في البحث والإعداد والتقصي وجمع المعلومات سقطت في الماء، وكان من شأنها أن تساعد على الفهم والتثبت من مدى صدق بشير العكرمي من عدمه واستجلاء الحقيقة وقطع الطريق على كل من يسعى لطمسها…
سنوات عديدة ونحن نستمع لقصف جهة واحدة، مقابل صمت القاضي بشير العكرمي الذي تمسك بواجب التحفظ رغم كل التهم الخطيرة التي وجهت له. وحين توفرت للـ"متهم" فرصة التكلم مرة واحدة لطرح وجهة نظره، قامت القيامة ولم تقعد مسقطة معها أقنعة الزيف..
لا تغيضني هجمات الغوغائيين من جيل Z الاستئصاليين المتربين على ثقافة الإلغاء، بل التعامل معنا كقصّر بحجب المعلومة عنا.. ما يؤسفني هو انكشاف ديمقراطيين بان زيفهم، وأدعياء نضال حقوقي تبين أنهم ليسوا أكثر من أعداء للحرية تنكروا في لبوسها!!
أتضامن بصورة مطلقة مع زميلي الصحفي المحترم مراد الزغيدي الذي تم منعه من أداء رسالته الصحفية النبيلة التي تقوم على التحرر من ثقافة القطيع ورفض الانسياق خلف وجهة النظر الواحدة والتعامل مع الرأي والرأي المقابل بكل موضوعية، بهدف واحد هو استجلاء الحقيقة لإظهارها.
أتضامن مع المواطن القاضي بشير العكرمي الذي منعه الغوغائيون من التعبير عن رأيه والدفاع عن نفسه. وحكموا مسبقا بإدانته بالإرهاب خارج إطار القضاء، في انتظار اليد التي ستنفذ فيه حكم الإعدام، لتخرج جموع الغوغائيين بعدها مهللة بتحقيق العدل، عدل الحاقدين الجهلة، لا عدل القانون…
الواثقون من إدانة القاضي بشير العكرمي لا يضيرهم خروجه للدفاع عن نفسه، طالما أنهم متأكدون مما لديهم من مستمسكات ضده تدينه. وحدهم الخائفون من الحقيقة، هم الذين من مصلحتهم إسكات بشير العكرمي ومنعه من الكلام.
بأي حق يصادرون حقنا في التفكير وطرح الأسئلة؟ من حق كل من تهمه معرفة الجهة الآمرة التي تقف وراء اغتيال الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي أن يتساءل: لماذا يريدون حشرنا في الزاوية وحصرنا في مسار اتهامي واحد؟
لماذا يوجه الاتهام لبشير العكرمي في قضية شكري بلعيد، ولم يوجه لحاكم التحقيق في قضية محمد البراهمي، والحال أن القضيتين متشابهتان، وتقفان اليوم عند نفس المستوى من التعطيل!؟ أين القواعد الدولية للمحاكمة العادلة والحق في قرينة البراءة الذي يعتبر قاعدة أساسية لإقامة العدل؟
لماذا يعملون على منعنا من التفكير بصورة موازية في احتمال وجود مسار آخر كثر الحديث عنه ويرتبط بجهة خارجية؟ ما الذي يمنع من وضع الاحتمالات كلها، والبحث فيها استجلاء للحقيقة ولا شيء غير الحقيقة؟
من حقنا معرفة الحقيقة..
من حقنا سماع كل الأطراف المعنية بقضية الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، دون وصاية من أحد.. من اعتقد في ثبوت تهمة التستر على الإرهاب على بشير العكرمي وأصدر عليه حكم الإعدام ولا ينتظر سوى تنفيذه فيه، فذلك شأنه…
إذا وُجد من يريد استغلال دم بلعيد سلاحا لمحاربة خصومه السياسيين بقطع النظر عن الحقيقة، فذلك شأنه.. إذا تبين وجود طرف خارجي متورط في الاغتيال، وهناك من يسعى لإبعاده عن دائرة البحث والتقصي، فذلك شأنه..
ما يهمنا كصحفيين هو الحقيقة ولا غاية لنا سواها. الحقيقة وحدها هي التي ستنتصر لدم الشهيدين، وهي التي ستوضح لنا إن كان بشير العكرمي صادقا أم كاذبا، ومجرما أم ضحية.
من جهتي سأظل مدافعا عن حرية الصحافة ضد كل أشكال الوصاية، وعن حقوق الإنسان بمبادئها الشاملة التي لا تتجزأ، وعن دولة القانون والمؤسسات، لا دولة الجهل والغوغائيين عبيد الاستبداد.