لو سألني أحدهم ما هي الدراسة التي يجب أن تجرى وتعلن نتائجها للرأي العام بدل النشرات "الزرقونية البديعة، عساها تخفّف من المادة "الانطباعية " و"المزاجية" التي تتغذى منها الشعبوية، فسأقول دراستان لا دراسة واحدة:
- الدراسة الأولى: أن يجرى فحص وتقييم بالأرقام للعشرية، عسى يثبت سوادها المزعوم، وأن يشمل ذلك جميع القطاعات: الطرقات والجسور والمحوّلات، الأجور والترقيات، الاستثمارات الداخلية والخارجية..الخ، ثم يجري القياس بأرقام العشرية السابقة عليها.. أذكر هنا أن التقرير الاقتصادي والاجتماعي الصادر عن الاتحاد العام التونسي للشغل أثبت مثلا أن سنة 1984 كانت هي السنة الأفضل في مؤشر القدرة الشرائية للتونسي، فيما انطباع هذا التونسي عنها أنها السنة التي وقعت فيها ثورة الخبز…
الدراسة الثانية: أن تتناول "الطبقة السياسية" (الملعونة بالمعنى الهندوسي) بحيث يجرى مسح شامل على دخل وممتلكات جميع من تولى مسؤولية في أي سلطة من السلطات وفي جميع الحكومات التي تداولت على الحكم في العشرية محنونة، وأن تتم مقارنة حالهم مع حال المسؤولين في العشرية التي سبقت الثورة.. وأنا على يقين بأن الدراسة ستكشف مفاجآت مدوّية ومذهلة، لن تسرّ كثيرا نتائجها "الزمّيرة" ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين..
لقد أخذت عشرية الانتقال الديمقراطي، كأي تجربة مشدودة إلى قيم مثالية لا تتناسب مع جمهور "القرط"، من كل زواية وثغرة، خصوصا وأنها كانت على قدر كبير من "السذاجة" و"الطيبة" بما لا يتفق تماما مع مخلّفات قرون من الاستبداد الشرقي وعقود من الاستبداد الحداثي..