فرحة عارمة، انفجرت إثر الإعلان عن نتائج الانتخابات التشريعية الفرنسية وصعود "الجبهة الشعبية الجديدة" قوّةً برلمانية أولى، رغم أن عمرها لا يتعدى بضعة أيام من الوجود، ورغم جمعها لشتات اليسار الفرنسي ذي المروحة الواسعة والمختلفة والمتناقضة، توجهات وآليات نظر.
لا أتحدث عن مظاهر البهجة بهذا الحدث في فرنسا نفسها، بل عن ذاك الذي انخرطت فيها المجتمعات السياسية العربية (والمغاربية بشكل خاص) بطمّ طميمها، يمينها ويسارها ووسطها، رسمييها ومعارضيها، نُخبًا وشعوبا ... وقد انعكست تلك الفرحة على وسائل التواصل الاجتماعي إلى درجة أن "الجميع" سارع إلى الادلاء بدلوه في تبنّي فرحة المعنيين أنفسهم ... دون مساءلة، أو فهم أو تفكيك، أو (أحيانا) للاعتقاد (السطحي جدا) بأن النتائج تصبّ في مصلحة المهاجرين العرب هناك ...
معذرةً ... ولكني على يقين بأن أغلب هؤلاء، بمن فيهم أولئك الذين يعتقدون الصدور عن موقف سياسي، لم يطّلعوا على تفاصيل برنامج "الجبهة" الذي يجمع تلك الفصائل، ولم يتوقّفوا عند أهم فقرة تحكم عقل الجبهة بخصوص سياستها الخارجية المتعلقة بفضائنا العربي الإسلامي (وأنا هنا لا أتحدث عن المقترحات الاجتماعية الخاصة بالفرنسيين أنفسهم) ... توقفنا – فحسب – عند الشعار الذي رفعه بعض زعماء "فرنسا الأبية" ومنهم ميلونشون نفسه: الاعتراف فورا بدولة فلسطين!! أشحنا أبصارنا عن فقرات كاملة تعنينا، ولا يمكن تجاهلها ...مثل:
• Rompre avec le soutien coupable du gouvernement français au gouvernement suprémaciste d’extrême droite de Netanyahu pour imposer un cessez-le-feu immédiat à Gaza et faire respecter l’ordonnance de la Cour Internationale de Justice (CIJ) qui évoque, sans ambiguïtés, un risque de génocide
• Agir pour la libération des otages détenus depuis les massacres terroristes du Hamas, dont nous rejetons le projet théocratique, et pour la libération des prisonniers politiques palestiniens
• Soutenir la Cour Pénale Internationale (CPI) dans ses poursuites contre les dirigeants du Hamas et le gouvernement de Netanyahu
• Reconnaitre immédiatement l’État de Palestine aux côtés de l’État d’Israël sur la base des résolutions de l’ONU
بماذا تبتهجون؟
بالتسوية بين الجلاد والضحية؟
أم بالإصرار – بعد تسعة أشهر من حرب الإبادة الجماعية التي تنتهجها إسرائيل – على تبني الرواية الصهيونية الأولى، التي كذّبها الصهاينة أنفسهم لاحقا بخصوص المجازر المزعومة التي ارتكبها الفلسطينيون في 7 أكتوبر؟
أم بالتشديد على تبني مطلب المحكمة الجنائية الدولية بملاحقة قادة حماس بتهم مقاومة الاحتلال؟
أم بالتأكيد على رفض الخلفية النظرية لحركة حماس (وردت بالاسم) في مقاومتها للمحتل؟ وماذا نفعل مع أيديولوجيات بقية الفصائل في الساحة؟
أم بالسكوت المطبق عن طبيعة الاحتلال وهمجية الإبادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني؟ والاقتصار على معارضة "حكومة نتنياهو اليمينية"، ومطالبتها الالتزام بالقرارات الدولية؟
أخبرونا بماذا أنتم فرحون، حتى نعرف ونلزم …
كان جان لوك ميلونشون – في يوم ما – رئيسي المباشر في خط اليسار الاشتراكي داخل الحزب الاشتراكي الفرنسي، وفي المنظمة غير الحكومية (Citoyens Solidaires)، ولا زلت أحتفظ بصداقة بعض الناشطين من نفس الدوائر، وأعلم صدقهم وتجردهم ونضاليتهم، ولكني – أيضا – تجرّدتُ من كثير من الأوهام "المؤسِّسة"، وأصبحتُ أنظر لما يُقال ويُكتَب لا بمنطق التطابق مع حقيقة ما، بل قبل ذلك بآلية la Sensure (الحرمان من المعنى) كما وضعها وحللها الفيلسوف برنارد نويل، أي التساؤل المستمر عن مدى "الرغبة الخفية" للقول أو العمل في الانحراف بالمعنى، سعيًا إلى تشويهه ثم حرمان الشعوب منه.
فهل من مُدّكر …