الإشاعة سلاح قديم قدم الاجتماع البشري، تُستعمل في النزاعات بين الأفراد أو الجماعات أو الأمم، وتشتدّ لتصبح فتّاكة كلما زادت حدّة الرهانات والصراعات. وتُعرَّفُ بأنها: أخبار مجهولة المصدر غالباً، تُروّجُ وتَشيعُ بين مجموعات صغيرة في البداية، ويعتمد القائم وراءها على تزييف الحقائق وتشويه الوقائع.
ويُجمعُ المختصون أن الإشاعة جزء من الحرب النفسية في معناها العام، واتفق علماء الاجتماع وعلماء النفس والباحثون في المجال أنها أحد أساليب الحرب النفسية، بل لعلها أفتكها. لذلك أصبحت فرعا معرفيا قائما بذاته، وظهرت كتب في "علم نفس الإشاعة" (أنظر على سبيل المثال كتاب بهذا العنوان لكامل محمد عويضة) و "سوسيولوجيا الإشاعة" (أنظر اشتغال إدغار موران على هذا الموضوع)...الخ. وقد كان لظهور وسائل الإعلام الحديثة واسعة الانتشار دور في قوة تأثير الإشاعة وسطوتها في التحكم في مسارات الشعوب.
الإشاعة إذا هي نقيض الحقيقة، ووسائلها مقابلة تماما لوسائل نقل الخبر. وحيثما كانت المعلومة، تقلصت الإشاعة. لذلك فإن الإشاعة تنتشر عندما تتوقف المؤسسات - التي من المفترض أن تقدم الخبر اليقين - عن مهامها الحقيقية، كالإعلام والقضاء ومجال الفكر النقدي؛ وكلما كانت نُخب الجماعة تقوم بدورها المنوط بعهدتها على أكمل وجه، لم تجد الإشاعة لها من فضاء تتحرك فيه. فسلاح النخبة وعيٌ وكشفٌ ومعرفةٌ، وبالتالي فهي النقيض عن الإشاعة في محتواها وبنيتها وسياقها.
ولعل ذلك هو السبب الذي نجد فيه الإشاعة في أوروبا وأمريكا على سبيل المثال خارجة عن إطار حقل العمل الصحفي، والعمل الأكاديمي والثقافي، والعمل السياسي بمعناه العام، لأن هذه جميعها تعتمد على مصادر خبر واضحة ومعلومة.
ما دعاني إلى طرح هذا الموضوع الهجمة الشرسة لــــ"شلّة الأنس" أو لنسميها "الجَوقة" التي تكاتف فيها عدد من أشباه الإعلاميين (الصحفجية على قول لمين البوعزيزي) والجامعيين والمثقفين والأمنيين وأصحاب الدرهم والدينار، على وسائل الإعلام بأنواعها طيلة يومين .... 48 ساعة (منذ حصول العملية الإرهابية في شارع محمد الخامس) من اختلاق الإشاعات وترديدها وتضخيمها وتحليلها وتشييد بناءات من "اليقينيات" المؤدية إلى أحكام وسياسات وقرارات !!!!!!! كمٌّ فجائي هائل من الرداءة والإرهاب الفكري والرّهاب العصابي تعرض له التونسيون على مدار يومين ... وانتبه الناس أن طرفًا ما ... جهة، فريقا ... "شِــقًا" من الشقوق يدفع بكل قوة إلى الانهيار الكامل للدولة ... لقطف ثمرة ما ...
وجاءت الصورة التي التُقطت للثالوث مهدي جمعة وغازي الجريبي ومحسن مرزوق في الإمارات قبل بضعة أيام لتزيد من غيمة الشكّ والقلق التي انتابت كثيرا من الملاحظين .... وتذهب في التحليلات مذاهب شتى، وتتساءل عن إمكانية وجود تقاطعات في حركة الإرهاب التكفيري مع تحركات بعض الساسة والمشتغلين بيننا بالشأن العام.
حمى الله تونس من الدواعش إلى أي جهة انتموا، وتحت أي راية انضووا.