ولكم سديد النظر " وكل ينظر ويتأمل ضمن قالبه المعنوي الحسّي الذي يطابق حقيقته " عالم الشهادة عالم الحس المنغرزة في المعنى المغيب فيه الغيب والعدم حامل اولاني للوجود والموت كاشفه.
يفنى بالموت الحس وحركة الانسان وينعدم وجوده الحسي أصلاً ولكن بالموت يكشف عن حقيقته ومعناه ليباشر قالبه المعنوي وهويته الذاتية عالم ما بعد الموت حياة البرزخ بين الموت والبعث.
ولا يمكن للإنسان المغيب عنه الغيب ان يقيس حياة الدنيا على الحياة الأخروية لا تنتهي حياة البشر بالموت فهو يفنى ويضمحل البدن ويتحلل في التراب ولكن روحه وقالبه المعنوي يواصل رحلة الوجود في عالم المعنى الصرف عالم الحقيقة المنزهة عن الكثائف وغبش الحسّ.
يكشف الحجاب عند الموت للمفارق عالم الشهادة عالم الحس بالأساس لينتفي ويلغى وجوده الحسي الحركي ولكن هل ينتهي وجوده بفناء جسده واضمحلاله وإثرائه بذلك التربة وتخصيبها؟ للإنسان بعد حسي مادي ظاهر وبعد معنوي باطن.
البعد الحسي المادي بارز ظاهر في بدنه ولكن بعده المعنوي باطن ويمثل حقيقته وعين وجوده كالروح التي تتعالى على عالم المادة ولا يمكن ان تفسر كظاهرة فيزيائية لكي يحيط بها الإنسان وكذلك هويته الذاتية نفسه مثل هويته النسيجيةidentité tissulaire HLA التي تميزه عن غيره فالنفس سر إلاهي وهوية ذاتية للإنسان.
لذلك بانتهاء وغياب الميت عن الوجود الحسي يواصل رحلة الحياة المعنوية الحسية خارج الزمان .
فيسأل في قبره ويجيب حسب حقيقته فلا يتطلب وجوده في البرزخ أجهزة تحقق له وظيفة التواصل والتغذية ولا يتنفس برئتين ليجيب ولذلك ضرورة إشتغال بعد آخر خارج الزمان والمكان المعتاد للإنسان في حياته الدنيوية وهو القالب المعنوي فيه هويته الذاتية نفسه وما خزنت من معارف واصطبغت فيها وخزنت ما قام به من افعال خيرة أو شريرة في فرصة حياته الدنيوية ولذلك فالقبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر يوم القيامة كل يجزى بحقيقته.
يستعصى الفهم على الإنسان لأنه تعود الحياة الحسية ومعالجة الظواهر المادية بخبرات ومهارات فيزيائية يكون فيها الزمن بعدا حاسما وهاما في وجوده فهو البعد الرابع وكذلك يحتل الحيز المكاني مجالا في وعيه وذاته فينتقل مسافرا ويستقل وسائل نقل لتقريب المسافات. لكن الوجود الأخروي من حياة البرزخ ويوم القيامة يختلف عن حياتنا الدنيا لتظهر الكائنات على حقيقتها وتباشر مذعنة طائعة لحكم وقدر مولاها.
فلا بد من عقل متجاوز للمحيطات الحسية غير مقيد بها خاضعا لتأطيرها وإطارها وعين تنظر من ربوة الأبدية على زمن الوجود البشري بتمامه لفهم مسألة الوجود البشري دون تجزئة وتعسف فقد تبنى نظريات واحتمالات في طور وحيز عمري معين وحضور جسدي ونفسي ومزاجي للإنسان يلغى به وجوده الكلي المتواصل في منحني بياني متغير بدايته ميلاده وليس نهايته الموت يتميز بعديد التغيرات تبعا لإختلاف الردهات والمراحل العمرية.
فصيرورة الإنسان ومساره لا ينتهي بخمود الحسّ وفناء الجسد فمن الأعيان الثابتة في علم الله إلى الوجود الحسي المعنوي والإمداد في الحياة ثم بعد الموت حياة البرزخ وجودا معنويا خالصا ومن بعد البعث ويوم القيامة تتجسد الأنفس من جديد لكن في ثوبها الأبدي الذي لا يبلى ولا يموت هي اجساد ملكيّة لا تفنى ولا تهلك يحدث ذلك عند نفخة الروح .