فهمت الاحزاب والنقابات ان أيسر الحلول في التعاطي مع الاحتجاجات الاجتماعية المناطقية والجهوية هو مجاراتها وتعويمها. هي لا تملك مصادمتها لما لذلك من كلفة سياسية انتخابية عالية ولا تملك قيادتها لضيق أفقها واهتراء مصداقيتها. لذلك يختفي الجميع وراء مسمى التنسيقيات التي لا تبتعد كثيرا عن ملمح روابط حماية الثورة التي احتضنت الجميع في بدايتها وانفضت عنها الغالبية ضمن بدايات تشكل العملية السياسية على قاعدة المنافسة الحزبية.
لا شك ان للحراك الاجتماعي الحالي مواقيته ودوافعه ولا معنى للقول ان "اطرافا مشبوهة تسعى الى تحريك الشارع خدمة لأغراض سياسية" طالما ان هذا التحريك يستجيب الى طلب وغضب وحاجة وطالما ان هناك اقرار بحدة المسالة الاجتماعية وتخلفها عن المنجز السياسي وان كان هذا الاخير بدوره يبقى هشا.
عندما صرخت الهوامش تحت وقع الفقر والفوارق الاجتماعية والاقليمية الحادة انتبه المركز والنخب التي تسكنه الى انهم بدورهم يعانون وكانوا أقدر على استثمار شعارات الثورة في اعادة التوزيع للثروة لتعزيز مكاسبهم وصرف الانظار عن مصالحهم. وبقيت الفوارق على حالها بل تعمقت.
اغلب المناطق الداخلية الفقيرة رغم مواردها كانت تعيش من التهريب والتجارة الحدودية ولقد تعثرت مداخيلها من أثر الحرب الأهلية الليبية وغلق الحدود في ازمة الكورونا ويمكن معاينة البؤس بيسر في أجمل شوارعها فما بالك بهوامشها.
لم يجد مبدا التمييز الإيجابي طريقه الى التنزيل وقد كان أبرز مكاسب الدستور الجديد ورات فيه نخب المراكز تمييزا سلبيا لها وعملت ما بوسعها على افراغه من محتواه. ورجع الى السطح خطاب يصم سكان المناطق الداخلية بالكسل الجيني والسعي الى الخبزة الباردة.
لا شك ان المتابع الجيد يلحظ بوضوح ازدواجية الخطاب في التعامل مع احتجاجات الكامور واحتجاجات الحوض المنجمي. احتجاجات من طبيعة متشابهة لكن الموقف منها يذهب من النقيض الى النقيض. لم يكن الكامور هو المنطلق والمنوال ولا نقطة البداية حتى يقع الحديث عن تعميم الكامورية. لقد فهم الجيش بخبرته الميدانية اهمية تثبيت السكان في هذه المناطق الصعبة ومنحهم مقومات للبقاء في اتتظار ان تعود المياه الى مجاريها في ليبيا ورفض الانخراط في قمع الاحتجاج ولم تجد الحكومة بدا من التفاوض والقبول بتسوية.
لا أحد يملك حلولا عاجلة ومفيدة لا الجديد المؤقت ولا القديم المجرب والمخرب. ولكن ....