الى ضحايا الارهاب في تونس!
كان رغم تحذيرات الأطبّاء قد صدّق قولا سمعه ذات يوم كون ' كلّ من يخاطب نفسه كثيرا فهو عبقريّ ' . وكان رغم قزميّة قامته مثلا يرى نفسه عملاقا لسبب بسيط هو أّنه يرى ظلّه كلّ يوم عند الصّباح و عند المساء فقط بينما يكون مشغولا بقيّة النّهارفي مخاطبة نفسه أمام مرآته وهو مزهوّ بها حتّى الثّمالة الى أن قرّر ذات يوم قراره . كان يريد التخلّص من اسمه الذي يذكّره بتحذير طبيب نفساني قال له يوما : احذرأن تتورّم أناك الى درجة ازدواجها . وعوض أن ينتبه لحاله ويداويها ، و بسبب جهله باللّغة رغم كثرة كلامه ، ركّز كلّ اهتمامه على اسمه وكان يقول انّه يريد أن يجعله اسما مفردا لأنّ اسم شعبان يحيل الى وجود شخصين داخله و هو يريد أن يكون شخصا واحدا.
كان القرار غريبا و فجئيّا. بدأ الأمر يومها باحتدام صراع كبير بين القسمين الأيمن والأيسر من دماغه .كان كلّ قسم منهما يتّهم الآخر باليمينيّة و اليساريّة والآخر يحاول الدّفاع عن نفسه. ولكنّ الصّراع احتدم داخل دماغه ووصل ذروته عندما تبادل قسما الدّماغ الاتّهام بالذّكوريّة والنّسويّة فحصل ما حصل.
كان الوقت منتصف النّهار تقريبا وكان أمام المرآة كالعادة حين اتّجه فجأة الى المطبخ ورجع حاملا سكّينا وأخذ يقسّم نفسه نصفين ليحتفظ بواحد و يتخلّص من الثاني . بدأ من الأسفل في مستوى الدّبر و الخصيتين وصعد الى أن قسم دماغه الى قسمين بحيث يفصل نهائيّا بين القسمين الأيمن والأيسر من الجسد.
انقسم الى كائنين غريبين كان كلّ منهما يرى الآخر بعين واحدة ويضحك منه فكان الثّاني يعيد التّحديق في المرآة ليتأكّد من نفسه . كان كلّ منهما يقف بالكاد على ساق واحدة وله خصية واحدة ونصف عضو تناسلي وكلوة ويد ورئة ونصف فم ونصف أنف بمنخر واحد وعين واحدة ونصف جمجمة.
كان قبل أن يقسم نفسه قسمين قرّر أن يسمّي النّصف الذي سيحتفظ به " شعيبا ". لم يستسغ أن يسمّي نفسه " شعبا " مثلا بدل "شعبان" لأنّه اعتبر الاسم سياسيا و مبتذلا. وكان التّصغير في اسم شعيب و كانت الاحالة الى اسم النبيّ شعيب يغريان غروره. ولكنّه بعد أن قسّم نفسه بدأ النّصف الأيمن و الأيسر من الدّماغ يتنازعان حول أيّ النّصفين سيبقى وأيّهما سيرمى به في المزبلة . و تبادل الطّرفان الاتّهام وبادر القسم الأيسر بتسمية الأيمن " أشعبا " رغبة في الاستئثار باسم " شعيب" . ولكنّ النّصف الأيسر احتجّ طالبا من الآخر أن ينظر في المرآة ليرى كونه هو القسم الأيمن لا العكس. و فقد القسمان أعصابهما تماما و القدرة على الحكم فقرّرا الخروج من الغرفة لتحكيم الشّمس بينهما. اتّفقا على أنّ من يكون ظلّه أطول هو الّذي سيكون " شعيبا" وعلى "أشعب "الانسحاب الى المزبلة طوعا.
كان الشّجار قد دام حوالي ساعة من الزّمن. وعندما خرجا الى الشّمس كان الوقت ظهرا . اضطرّا الى الامساك ببعضهما كي يستطيعا المشي الى أن خرجا تماما . كانت الشّمس تتّجه غربا فاستدار" شعيب" و "أشعب" شرقا للتثبّت من ظلّيهما و مقارنتهما . و قبل أن يقوما بأيّة حركة أو يقولا أيّة كلمة ابتعد نصفا الظّلّ منفصلين عن نصفي الجسدين واتّحدا وقال الظّل المكتمل للنّصفين الواقفين كلّ على ساق بعد أن سحب لسانه غاضبا منهما :
أنا لست لا شعبانا و لا شعيبا و لا أشعبا . أنا أحتجّ و أنسحب وأعلن استقلالي عنكما لا بل وأسمّي نفسي " شعب " شماتة فيكما ! أنا الشّعب الآن مجرّد ظلّ ، هذا صحيح . ولكنّني على أيّة حال ظلّ مكتمل وأنتما مجرّد أنصاف رجال.
وكان عقاب أسود أتى من السّماء قد حلّق منخفضا يبحث عن اللّحم و الدّم.