كلمات عابرة بمناسبة مؤتمر النّهضة :

Photo

إنّ حركة النهضة هي الحزب الوحيد الّذي كُنّا نأملُ أن يكون له برنامج حقيقي و مختلف عن برنامج النّمط الّذي دمّر هذه البلاد روحا و فعلا .. غير أنّ النّهضة سينتهي بها المآل لتكون عاملة تجميل لدى عدوّها التاريخي ( السّيستام ، النّمط ، الإمبرياليّة .. إلخ ) .. عاملة تجميل بمعنى أنّها ستكتفي بوضع المكياج على وجه النّمط التّعيس فيصير جميلا و مقبولا لدى العالمين ..

طيّب ، لن ندخل في النّوايا فنقرّر إن كانت النهضة تتاجر بالدّين من أجل هدف خفيّ هو الإنضمام لسلطة النّمط .. أم أنّ حجم المؤامرات و الأهوال هو ما دفعها إضطرارا لهذا التّغيير المحتوم .. و إن كنتُ شخصيّا أفضّل الرّأي الثاني إن لم أكن حتّى واثقا منه .. و في كل الأحوال أنا أباركُ سير النّهضة صوب هذا الفصل بين السياسي و الدّعوي و الّذي لا أعلم آلياته و فلسفته العمليّة .. أُباركَهُ من باب أن تتخفّف النهضة من حملٍ ثقيل لا يمكنها الإضطلاعُ به ليس عجزا منها فقط بل هو عجز الواقع الكلّي عن قبول مثل تلك الرّهانات العظيمة : إحلال روحانية الله في ترابيّة العالم .

أنا و وعيًا منّي بأن لا برامج للأحزاب غير ممارسة الشّعوذة على أنصارها لأنّها ستقول أروع الكلام دوما - حينَ الكلام - ثمّ كلّما وصلوا للسّلطة لن نرى منهم إلّا السّعي للحفاظ عليها و القفز في نفس الهاوية الّتي قفز فيها الطّغاة قبلهم : هاوية الخضوع للطّغيان العالمي .

في هذه الحال إبتكرتُ طريقةً جديدة للتّمييز بين الأحزاب تتمثّل بداية في عدم الإهتمام مطلقا ببرامجها السياسية و الإقتصاديّة المزعومة .. أصلا صرتُ أسدُّ أذني حين أرى هؤلاء السياسيّين يتكلّمون عن تلك البرامج الواهمة .. و ذهبت أقتفي آثار حكمة الأوّلين إذ قالوا مثلا : " لا يجتمع الأخيار على باطل " .. أو " أنظر لأخلاقهم قبل سماع أقوالهم " أو " الحكيم الصّادق لا يرفع عقيرته بالصياح و الشّتائم " .. إلخ .. و هذه الحِكَمْ هي من تأليفي الخاصّ و لكنّها ممّا يسري منذ القديم في روحانيّة التّاريخ .

و هكذا تأمّلت في سلوك الأحزاب .. أخلاق قادتها و أنصارها .. نوعيّة المعقولات الّتي يتداولونها .. كيف يتعاملون .. ما أكثر المفاهيم الّتي يردّدونها .. ملامح الوجوه .. إلخ .. و حضرت الإجتماعات العامة خارج المقرات الحزبية و خالطت الأنصار هنا و هناك .. حتّى بلغت اليقين أنّ الميزة الأساسيّة للنّهضة هو تفوّقها المذهل على جميع الآخرين من حيث الروحانية المنتشرة في جسمها الداخلي : الوحدة .. الحبّ الجارف .. الأخلاق .. التّماسك .. الإنضباط .. الأحلام المثالية .. الصبر على الأذى .. إلخ

اليوم لا تهمّني السياسة كثيرا بعد أن أعلنتُ منذُ شهور وَدَاعِي النهائي للعملية الديمقراطية و فراري من صناديق الإنتخابات كالفارّ من الطاعون .. لكن ما يهمّني أساسا هو أن تنتشر روحانيّة النهضة داخل باقي الأحزاب .. فإنّ الحليف الأكبر للإنحطاط هو الحقد و إن آرتدى أجمل الملابس النظريّة و إنّ أعظم أسباب الإزدهار تمرّ حتما عبر روح المحبّة و إن كانت ترفُلُ في الملابس الرثّة .

ختاما .. هنيئا للنهضاويّين بنهضتهم و مؤتمرهم .. متمنّيا أن لا ينسوا و لو لحظة واحدة أنّ الإسلام أهمّ و أعظم من كلّ النظريّات و الأحزاب و التّكتيكات .. و أنّ النّهضة ليست إلّا قطرة صغيرة في بحر عظيم .. فلا تتركوا البحر من أجل القطرة .. و طالما كانت القطرة داخل بحرها فلا خوفا عليها و لا عليكم .. أمّا البحر فآنظر و لا تسأل ..

إسبحوا فقط بمهارة و رويّة فإنّ آفاقه بعيدة و أسراره عجيبة و معانيه عميقة .. آسبحوا و آحمدوا الله أن جعل لكم عزّا و نورا بعد ظلمات الذلّ و الهوان .

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات