الطاقة والمناجم: تكريس الشفافية ومحاربة الفساد

Photo

الخبير الدولي في الطاقة السيد الحبيب بن فرحات في لقاء مع وزير الطاقة والمناجم.

إيماناً مني أن مصلحة البلد فوق كل إعتبار وأن النقاش وتبادل الأراء مع المسؤولين على المجال ضروريٌ ، وإنطلاقاً من حسي الوطني وقناعتي أن قطاع الطاقة يمثل مجالاً حيوياً يمكنه المساعدة على النمو الاقتصادي والحفاظ على السلم الإجتماعي، إلتقى السيد الحبيب بن فرحات الخبير الدولي في مجال الطاقة يوم 20 جويلية 2016 السيد وزير الطاقة والمناجم، السيد المنجي مرزوق بطلبٍ منه.

هذا وتطرق الجانبان أثناء اجتماعهما المذكور إلى عديد المواضيع في مجال الطاقة والمناجم ومن أهمها:

1. انخفاض الاحتياطي الموكد للبلاد التونسية من النفط الخام بـ 01 مليار و 300 مليون برميل ما بين سنة 1994 وسنة 1995: تم اعلام السيد الوزير بهذا المعطى الغريب وكذلك بالقيام بكل الأبحاث التقنية الممكنة (متابعة تطور الإنتاج الذي انخفظ بمعدل 2,000 برميل يومياً، أي ما يفوق 700 ألف برميل أثناء تلك السنة - إمكانية إعادة مسح البلاد الذي ليس من الممكن تقنياً - التأكد من أن بعض امتيازات الإستكشاف هامشية - إلخ) لتبرير هذا الانخفاض الحاد. للأسف لم نتمكن من العثور على تبرير علمي وحيد لتقلص الاحتياطي الموكد للبلاد التونسية من النفط الخام بنسبة 75% في سنة واحدةٍ، علماً وأنه كان يفوق 01 مليار و 800 مليون برميل سنة 1994 لينحدر إلى قرابة 400 مليون برميل سنة 1995. في هذا الصدد طلب السيد الوزير المعلومات الدقيقة ومصدر هذه الأرقام ووعد بتقصي الحقائق وإعلام الرأي العام بسبب هذا الانخفاض الرهيب وغير المبرر علمياً وتقنياً. وللتذكير أنّ الإحتياطي المؤكد، يعني حسب المفهوم العالمي يمكن إستخراج ما لا يقل على 90% منه.

2. الفوارق الرهيبة في مداخيل البلاد التونسية من جراء تصدير النفط الخام أثناء فترة ما بين 2008 و 2013 وذلك حسب تقرير هيئات الرقابة الثلاثة الصادر في اواخر سنة 2014: استناداً إلى معلومتين مختلفتين تم الكشف بتاريخ 30 سبتمبر 2015 عن تضارب كبير بخصوص مداخيل صادرات النفط الخام التونسي، ففي حين أن مداخيل صادرات النفط لحساب الدولة بلغت 3.796.712.246 دولار أمريكي، أي تقريباً 3.8 مليار دولار نكتشف أن المداخيل حسب قائمة أبرز حرفاء للمؤسسة التونسية للأنشطة البترولية بلغ 7.051.104.745 دولار أمريكي، أي أكثر من 7 مليار دولار. في نفس الوقت درس التقرير إمكانية تصدير المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية مواد مختلفةٍ عدى النفط الخام كالغاز الطبيعي أو غاز النفط المسيل وتوصل إلى النتيجة الحتمية دون أدنى شك أن هذا ليس وارداً.

اعتماداً عليه قام السيد غازي الشواشي النائب في مجلس نواب الشعب والأمين العام للتيار الديمقراطي بإرسال سؤال كتابي بتاريخ 11 أفريل 2016 إلى حضرة جنابكم طبقاً لمقتضيات الفصل 145 من النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب مثيراً هذا الاشكال ومتسائلاً عن المبلغ المفقود والمتمثل في 3.254.392.499 دولار.

هذا وتحصل التيار الديمقراطي على ردٍ من طرف الوزارة في أوائل شهر ماي 2016 يؤكد أن مداخيل الدولة التونسية المتأتية من تصدير النفط الخام على إمتداد الفترة 2008-2013 فاقت السبعة مليار دولار، كما أقر بتصدير كميات من النفط الخام لصالح الدولة وكميات أخرى لصالح المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية وهذا يؤكد ضمنياً وجود خزينتين مختلفتين لمداخيل النفط الخام التونسي.

وحتى يتم التحري والتأكد من هذا التضارب تم الرجوع إلى مهام المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية التي أحدثت بمقتضى قانون عدد 22 لسنة 1972, وتبين أن من مهامها - وذلك منذ 1974 - القيام بتسويق النفط الخام لحساب الدولة التونسية وتزويد البلاد بالمحروقات، وتتحصل المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية على عمولات تصرف بـ 5 بالآلاف مقابل العمليات التجارية المنجزة لحساب الدولة. وهنا يجدر التساؤل عن سبب هاتين الخزنتين علماً وأن المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية شركة حكومية.

في هذا الصدد وبعد النقاش المعمّق أكّد السيد الوزير - مشكورا - أن المداخيل الاجمالية فاقت فعلاً السبعة مليارات من الدولارات، كما أفاد أنه ليس من الطبيعي تقاسم المداخيل بين الدولة والمؤسسة التونسية للأنشطة البترولية التي يكمن دورها في التصرف لصالح الدولة مقابل عمولة، لكنه أكّد، أنه للأسف جاري العمل بهذا الإجراء في بعض المؤسسات الحكومية التونسية ووعد بتفادي هذا التمشي مستقبليا.

لكم في ما يلي رابط التقرير المفصل بخصوص هذا الشأن

3. الغاز الصخري: رغم قناعة الطرفين أن الإستثمار في الغاز الصخري لا يلقى رواجاً كبيراً في الوقت الراهن، وذلك لتغيرات مناخ الإستثمار عالمياً، بسبب إنخفاض أسعار النفط والغاز، إلا أن القناعة كانت سائدةً بخصوص مخاطر هذه المغامرة بإستعمال تقنية الإستخراج المتوفرة حالياً على البيئة والمائدة المائية. وفي هذا الصدد أكد السيد الوزير أنّه لا مجال لاستخراج الغاز الصخري وليس للدولة نية التنقيب عن هذه المادة في الوقت الراهن.

تجدون في ما يلي رابط لدراسة تبرز مخاطر الغاز الصخري قمنا بها سنة 2015.

4. الحقول الهامشية : تم إعلام السيد الوزير، أن المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية تعتبر بعض الحقول هامشية (يعني غير مجدية اقتصاديا )، رغم أنّه تمّ حفر 8 آبار بها، علما وأن حقل مجاور ينتج 1500 برميلا يوميا من بئرين من هذه الآبار. هذا وقد ذكّرنا في هذا الصدد بحقل مسكار للغاز الطبيعي الذي اعتبرته المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية هامشيا ليسند بنسبة 100% لشركة أجنبية، وتأكد الجانب التونسي لاحقا أن هذا الحقل أصبح ينتج 60% من الاستهلاك الوطني للغاز الطبيعي في بداياته وينتج اليوم نسبة تناهز ال35%

في هذا الصدد تم مد السيد الوزير ببعض المعطيات لمتابعة الموضوع وإنارة الرأي العام.

5. رخصة استكشاف بوحجلة التي أسندت لشركة كندية تأسست سنة 2006 برأس مال زهيد والذي قاد إلى إفلاس الشركة المعنية بمجرد حفر بئر استكشافية وحيدة، هذا رغم أن عديد الدراسات تفيد أن هذا الامتياز قد يكون يحتوي على مليار برميل من النفط. وقد تمّ مد الوزير بالدراسة الكاملة لهذا الموضوع وتعهد بمتابعته بدقة.

في ما يلي الرابط للتقرير المفصل بخصوص هذا الموضوع.

6. امكانية شراء امتيازات الشركة السويدية pa resources في تونس: تم أثناء النقاش الإتفاق على أن الحقول المنتجة كتلك في جهة القصرين وحقل ديدون لا يمكنها أن تكون الهدف من جراء امكانية شراء أسهم الشركة المذكورة، لأن نسب انتاجها تقلص وبشكل كبير، بل امتياز زارات للاستكشاف والذي يحتوي على ما يقارب 80 مليون برميلا من النفط و600 مليارا متر مكعب من الغاز الطبيعي. في هذا الشأن أكد السيد الوزير أن الدراسة الاقتصادية التي انجزتها المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية تفيد أن الدولة التونسية ستتمكن من جني مرابيح في حالة عودة سعر النفط إلى مستويات 55 دولارا كما هو منتظر.

لكن الإشكال الحقيقي لهذه العملية يكمن في تواجد جزء من امتياز زارات في منطقة الجرف القاري، وهي المنطقة المتواجدة في المياه الإقليمية بين تونس وليبيا والتي لا يخضع الاستخراج منها إلى القانون التونسي، بل يستوجب موافقة الجانب الليبي. هذا الأشكال قد يجعل البلاد التونسية تشتري امتيازا لا يحق لها تطويره وبذلك يصبح المثل الشعبي القائل "شريان الحوت في الماء " حقيقة.

7. تمديد حقل البغل والفرانين : أكد السيد الوزير أن الموافقة تمّت قبل تحمله المسؤولية. وقد تمّ التطرق في هذا الصدد إلى تهاون الجانب التونسي الممثل في المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية في التعامل مع الموضوع، وذلك بعدم احترام مواعيد إنهاء العقد رغم الطلب الكتابي من طرف المشغل الأجنبي. لذا وفي حالة اصرار البلاد التونسية على استرجاع الحقول، فإنّه من المفروض المرور عبر القضاء العالمي (معمول به في المجال )، هذا مع العلم أنّ الخبراء التونسيين يرون نسب النجاح ضئيلة.

8. الطاقات البديلة: إعتبر الطرفان أن تونس تأخرت كثيرا في استغلال الطاقات البديلة. هذا وأكد السيد الوزير أن المخطط الجديد يرمي إلى تركيز 300 ميغاواط من الطاقة الشمسية عوضا عن 50 ميغاواط إلى حدود 2020. كما أكد أن الأفكار السائدة لدى بعض المسؤولين قبل سنوات قليلة بأن الطاقات البديلة باهظة الثمن ولا تمثل الحل الأمثل لتونس بدأ يتحلحل شيئا فشيئا.

9. مراقبة الإنتاج ومسألة العدادات: أقر السيد الوزير بتواجد اخلالات في هذا الجانب وأعلم أن الوزارة بدأت فعلا في العمل على تجاوز هذه الوضعية السيئة.

10. تكوين الكفاءات والذي هو من مهام المؤسسة الوطنية للأنشطة البترولية التي أنشأت منذ السبعينيات ولم تتمكن إلى حتى اليوم من تطوير حقول بمفردهان بل تلتجئ غالباً إلى مشاركة مشغل أجنبي: في هذا الصدد أفاد السيد الوزير أن هذا الوضع يعود أساسا إلى عدم قدرة المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية على الحفاظ علي خبرائها وكفاءاتها التي يتم استقطابها بسهولة من طرف الشركات الأجنبية. كما أكد على ضرورة ايجاد حل جذري لهذا الأشكال وإلا سوف يصعب على المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية تجاوز هذا الوضع.

11. إشكال التكرير : تكرر ستير (جرزونة) مالا يفوق 30 الف برميلا يوميا، في حين أن الاستهلاك فاق 50 الف برميلا يوميا منذ الثمانيات : في هذا الصدد عبر السيد الوزير عن قناعته التامة أنّ هذا الإشكال يستوجب فعلا العودة إلي مخطط المصفاة الثانية في الصخيرة، واالوزارة بصدد دراسة عديد العروض في الوقت الراهن.

12. موضوع الستاغ والتعاقد الأحادي الجانب لمولد بوشمة : تحصل السيد الوزير على التقرير المفصل بخصوص هذا الموضوع الذي يبرز عديد الإشكاليات في التعامل مع المشاريع وتعهد بمتابعة الموضوع بدقة لأن وبصراحة بعض التصرفات لا يمكن تبريرها.

13. أخيراً وليس آخراً الموضوع الأهم ومربط الفرس ألا وهو موضوع الشفافية ومحاربة الفساد: تم التطرق إلى عديد شبهات الفساد وأكد الطرفان على ضرورة تكريس الشفافية ومحاربة الفساد كعماد للنهوض بالقطاع وإخراج البلد من معضلتها الطاقية التي تتفاقم مع مرور الزمن. هذا وقد أكد السيد الوزير أن جزءا من شبهات الفساد تعود أساساً إلى التراخي وعدم المتابعة الدقيقة. هذا وقد عبّرت على أن هذا النوع من من الإهمال عن سوء أو عن حسن نية يعتبر أيضاً فساداً ويجب محاربته وعدم التستر عليه. وأكّدنا على ضرورة تحمّل المسؤولين المسؤلية كاملة ووضع مصلحة الوطن فوق كل إعتبار، كما يجب تقديم بعض الملفات الى القضاء إذا استوجب الأمر حتى يكون ذلك عبرةً لمن يعتبر.

ختاماً اشكر السيد الوزير على الإستضافة، رحابة الصدر وتقبّل النقد الموضوعي وكذلك على النقاش الثري والصريح. كما اشيد بإصراره على كشف الحقائق ومصارحة الرأي العام وتمسكه بتكريس الشفافية ومحاربة الفساد وأعبر على مساندتي المطلقة له في هذا التمشي.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات